27‏/8‏/2011

المقابلة الصحفية ممع ماو تسي تونغ سنة 1936: الفصل السّادس


-6-

نموّ الجيش الأحمر

بدأ حديث ماو تسي تونغ يتحوّل تدريجيا عن "تاريخه الشخصي" إلى الانصهار في حركة عظيمة لا تراه كشخصية فيها بالرغم من أنّه لا زال يلعب الدور الأساسي فيها. لم تعد ترى في الحديث كلمة "الأنا" واستبدلت بـ "نحن"، واستبدل ماو تسي تونغ بالجيش الأحمر، لم يعد يعطي الحديث الانطباع الذاتي لتجارب حياة فردية وأصبح تسجيلا موضوعيا يدوّنه مراقب مهتمّ بتمخّضات مصير إنساني جماعي كموادّ للتاريخ.

وكلّما اقتربت نهاية قصّته كان عليّ ان أعود باستمرار لاستجوابه عن نفسه، ماذا كان يعمل في تلك الفترة؟ ماذا كان مركزه؟ ما هو موقفه في هذه القضية أو تلك؟ ولكن أسئلتي بشكل عام لم تر أيّ إشارات عن نفسه في الفصل الأخير من القصّة.

"بدأ يتطوّر عمل الجيش على الصّعيد الجماهيري بصورة تدريجية كما بدأت تنمو أواصر الانضباط وتطوّره التكنيكي الحديث في التنظيم، وبدأ الفلاحون يتوافدون من كلّ صوب لمساعدة الثورة، ومنذ أيّام تشينغكا نشان كان على المقاتل الأحمر أن يلتزم بثلاث تعليمات أساسية في نضالاته الجماهيرية وهي:

(1) الطاعة السريعة للأوامر.

(2) عدم مصادرة أيّ شيء مهما كان من ممتلكات الفلاحين الفقراء.

(3) تسليم كلّ المواد المصادرة من الإقطاعيين ووضعها تحت تصرف الحكومة بشكل فوري.

ومنذ مؤتمر عام 1928 تضافرت جهود مركّزة لكسب دعم الفلاحين كما أضيفت تعليمات تنظيمية جديدة إلى المبادئ الثلاث الأولى وهي:

(1) أعد جميع الأبواب إلى أماكنها عند مغادرة البيت(1).

(2) أعد ترتيب فراش القش الذي تستعمله في النوم.

(3) كن مؤدبا وخلوقا مع الناس وساعدهم بقدر إمكانياتك.

(4) أعد كلّ ما تستعيره من أشياء.

(5) ادفع تعويضا لكلّ ما تتسبّب في تخريبه.

(6) كن أمينا صادقا في جميع مداولاتك وتعاطيك مع الفلاحين.

(7) ادفع ثمنا كاملا لكلّ ما تشتريه من مواد.

(8) حافظ على الصحة العامة ولا تُقم مرافق عامة قُرب بيوت الشعب.

بدأت هذه التعليمات الثمانية تُطبّق بنجاح أكبر وما تزال حتّى اليوم من القوانين الملزمة للمقاتل الأحمر، ويحفظها غيبا ويردّدها في كلّ المناسبات(2) كما تعلّم الجيش الأحمر على السّعي لواجبات وأهداف رئيسية أخرى وهي:

(1) النضال حتّى الموت ضدّ العدوّ.

(2) تسليح الجماهير والاعتماد عليها.

(3) جمع التبرّعات لدعم النّضال.

في أوائل عام 1929 أُعيد تنظيم وحدات الأنصار التي يقودها لي ون لنغ

والأخرى التي يقودها لي سوتشو بين صفوف الجيش الأحمر الثالث الذي كان يقوده وانغ كونغ لو، والذي عمل فيه تشو يي كمفوض سياسي. في نفس الوقت تمرّدت بعض قوات المنتوآن التابعة لجيش تشو باي تيه وانضمّت للجيش الأحمر وقادهم إلى معسكرات الشيوعيين قائد كومنتانغي يدعى لوبنغ هوي كان قد فقد ثقته بالكومنتانغ، وطلب الانضمام للجيش الأحمر، ويعمل حاليا قائد الجيش الثاني والثلاثين في جيش الجبهة الثاني.

ولد الجيش الأحمر الثاني عشر من نواة للقوات الحمراء النظامية ومن الأنصار المتواجدين في فوكيين، كان وو تشونغ قائدا لهذا الجيش، كما كان تاي تسونغ لينغ مفوّضه السياسي ولكن وو قتل بعدها في معركة فحلّ مكانه لوبنغ هوي.

نظّمت فرقة الجيش الأولى في هذه الفترة وأصبح تشوتيه قائدا لها وأصبحت مفوّضها السياسي، وقد تشكّل هذه الجيش من الجيش الثالث والجيش الرابع الذي يقوده لين بياو والجيش الثاني عشر بقيادة لوبنغ هوي، كانت القيادة في هذا التشكيل الجديد متمثّلة بلجنة جبهويّة كنت رئيسها. وكانت فرقة الجيش الأولى تتشكّل من أكثر من عشرة آلاف مقاتل موزّعة على عشرة كتائب، إضافة إلى هذه القوّة الرئيسية كانت هناك عدّة وحدات محليّة من الحرّاس الحمر ومن الأنصار.

يعود الفضل في هذا التطوّر العسكري الناجح إلى تكتيك الحمر والى الأساس السياسي للحركة. وقد اعتمدت أربعة شعارات في تشينغكا نشان تعطي لمحة عن أساليب حرب الأنصار المتّبعة آنذاك والتي أدّت إلى نموّ الجيش الأحمر وهي:

(1) عندما يتقدّم العدوّ علينا أن نتراجع.

(2) عندما يتوقّف العدوّ ويعسكر نبدأ في مناوشته.

(3) عندما يتحاشى العدو معركة نهاجمه.

(4) عندما يتراجع العدوّ نلاحقه.

كان العديد من الرجال العسكريين التجريبيين يعارضون هذا التكتيك في بداية الأمر، غير أنّ التجربة أثبتت صحّته حيث لم يكن الجيش الأحمر يحقّق نجاحا إذا ابتعد عن هذه المبادئ بصورة عامّة، كانت قوات العدوّ تفوق قواتنا القليلة العدد من عشرة إلى عشرين ضعف عدديا، كما كانت إمكانياتنا القتاليّة محدودة ولم يكن بمقدورنا التغلّب على الكومنتانغ إلاّ باستخدام التكتيك الذكيّ المتحرّك لحرب العصابات لأنّ أعداءنا كانوا يحاربون من قواعد تفوقنا كثيرا.

كان أهمّ تكتيك مميّز للجيش الأحمر، كما لا يزال، قدرته على تركيز قواته الرّئيسية في الهجوم وانتشارها وتوزيعها بسرعة بعد انتهاء الهجوم. وبتعبيرات أخرى يجب علينا أن نتحاشى حرب المواقع وأن نركّز كلّ الجهود لمباغتة قوى العدوّ الحيّة أثناء حركتها وتحطيمها، وعليه فقد تطوّرت حركة الجيش الأحمر الذي اعتمد على الهجوم السريع المباغت والقوي والانتشار السريع أمام قوات العدوّ.

كانت برامج الجيش الأحمر تعتمد على توسيع رقعة مناطق السوفيتات بشكل عام، واتّبع تطوّرا متناسقا شبيها بالأمواج بدل من التقدّم غير المتناسق القائم على طفرات وبدون تلاحم متين بين الأراضي المحرّرة. كانت هذه سياسة تجريبيّة اُكتسبت ونمت خلال خبرة سنين متلاحقة من النّضال. عارض لي لي سان تكتيكنا بشدّة وطالب بتركيز جميع الأسلحة في أيدي الجيش الأحمر وبامتصاص جميع قوى الأنصار إلى الجيش. كان يريد الهجوم بدلا من تثبيت السلطة الجماهيرية في المناطق المحرّرة، والتقدّم دون الالتفات الى المؤخّرة، وهجمات صاخبة على المدن ترافقها تمرّدات بالدّاخل. كان خط لي لي سان يطغى على الحزب خارج حدود مناطق السوفيتات. كان مؤثّرا لدرجة فرض على الجيش الأحمر اتّباعها بالرّغم من عدم قناعة قائده بها. وكان من نتائجه الهجوم على تشانغشا والتقدّم نحو نانتشانغ. غير أنّ الجيش الأحمر حال دون تسريح قوات الأنصار ودمجها في الجيش، كي لا يترك المؤخّرة مفتوحة أمام العدوّ خلال هذه التحرّكات المغامرة.

في خريف عام 1929 تحرّك الجيش الأحمر نحو شمال كيانغسي مهاجما عدّة مناطق ومحرّرا مدنا كثيرة وقد سجّل هزائم متعدّدة بين صفوف الجيوش الكومنتانغية. وعندما أصبحت فرقة الجيش الأولى على مقربة من نانتشانغ استدار غربا وحوّل هجومه تجاه تشانغشا. وهكذا استطاع توحيد قوّاته مع قوّات بنغ تيه هواي الذي كان قد احتلّ تشانغشا مرّة سابقة ولكنّه اضطرّ للانسحاب ليتحاشى محاصرة القوات المعادية التي تفوقه كثيرا. كُلّف بنغ بمغادرة تشينغكانشان في نيسان عام 1929 فقام بعدّة عمليّات ناجحة في جنوب كيانغسي نتج عنه تزايد ملحوظ في قواته.

أُعيد اندماج القوات الرئيسية التي يقودها تشو تيه والجيش الأحمر في جويشين في عام 1930. وبعد المؤتمر تقرّر أن يعمل جيش بنغ الثالث في مناطق الحدود بين كيانغسي وهونان بينما تقرّر نقلي وتشو تيه إلى فوكيين. وأعيد الاتّصال بين الجيش الثالث وفرقة الجيش الأولى في حزيران عام 1930 وبدأ هجومهما الثاني على تشانغشا.

اندمج الجيش الثالث وفرقة الجيش الأولى وسمّي جيش الجبهة الأوّل وكان تشو تيه قائدا عامّا له وكنت مفوّضه السياسي، وعلى هذا النّحو وصلنا أسوار تشانغشا.

شُكلت اللّجنة الثّوريّة للعمّال والفلاّحين الصّينيين في هذه الفترة واُنتخبتُ رئيسا لها. كان تأثير الجيش الأحمر في هونان بعيد الانتشار مثلما كان في كيانغسي. كان الفلاحون الهونانيون يعرفون اسمي لأنّه منحت مكافآت كبرى لمن يعتقلني حيّا أو ميّتا، كما منحت نفس المكافآت ثمنا لتشو تيه وآخرين من القادة الحُمر، قام الكومنتانغ بمصادرة قطعة الأرض(3) التابعة لي في هسيانغ تان. واعتقل هوشيين كلاّ من زوجتي وشقيقتي وزوجتيْ أخويّ، ماو تسي هونغ وماو تسي تان، كما أعتقل ولدي وأعدم زوجتي وشقيقتي الصّغرى وأطلق سراح الآخرين فيما بعد.

وصلت شهرة الجيش الأحمر إلى أسماع أبناء قريتي هسيانغ تان حيث اعتقد الفلاّحون بأنّني سأصل قريبا إلى مسقط رأسي، وحدث مرّة أن مرّت طائرة فوق القرية فتصوّروا أنّها تُقلّني وحذّروا الرّجل الذي يعمل في أرضي بأنّني عُدتُ لأرى مزرعتي وإذا ما اُقتلعت أشجارها أم لا.

ولكن الهجوم الثاني على تشانغشا مُني بالفشل، فقد عزّزت المدينة بقوات ضخمة وكانت تشكّل حماية جيّدة لها، بالإضافة إلى ذلك كانت تتوافد قوات جديدة لمهاجمة الجيش الأحمر في هونان، فحصلت معركة عنيفة كان لها دور مهمّ إذ استطاع الجيش الأحمر فيها تحطيم لواءين من قوّات العدوّ، ولكنّنا لم نستطع السيطرة على المدينة، وبعدها بأسابيع انسحبنا إلى كيانغسي.

ساعد هذا الفشل في تحطيم خط لي لي سان وأنقذ الجيش من هجوم على ووهان كان سيتعرّض فيه إلى نتائج وخيمة. كانت مهمة الجيش الأحمر الرئيسية تنصبّ على إقامة السّوفيتات في مناطق ريفيّة جديدة واستقطاب المزيد من المتطوّعين وتنظيمهم في الجيش، وفوق كلّ شيء كان يهمّه تعميق السلطة الشعبيّة في المناطق المحرّرة. ولتطبيق برنامج من هذا النّوع، لم يكن من الضروري القيام بهجوم مغامر على تشانغشا بل على العكس من ذلك. غير أنّه لو اعتبر الاحتلال الأوّل للمدينة مهمّة تكتيكية بحيث لا يستهدف الجيش الأحمر الاستمرار في المدينة وإقامة سلطة هناك، لكان أثرها عظيما على الحركة الثورية لأنّه من الخطأ استراتيجيا وتكتيكيا محاولة إقامة قاعدة في تشانغشا في حين لم تُعمّق السلطة السيوفياتية في المؤخّرة بعد".

أرى أن نتوقّف لحظة عن سرد ما يرويه ماو تسي تونغ لوضع بعض الملاحظات حول لي لي سان.

لي لي سان، هوناني عاد من فرنسا بعد دراسته هناك، كان يُمضي وقته بين شانغهاي وهانكو حيث كان الحزب الشيوعي يقيم مراكز سرية رئيسية له، ولم تنتقل اللّجنة المركزية إلى المقاطعات السوفياتية إلاّ بعد عام 1931. كان لي أحد الشيوعيين الصينيين وأقربهم إلى تروتسكي من أيّ شخص آخر في الصين، كان له نفوذ واضح ومؤثر في الحزب من عام 1929 حتّى عام 1931، حين عُزل من المكتب السياسي وأُرسل إلى موسكو ليتمّ تعليمه وقد بقي هناك. كان لي لي سان لا يثق بالسوفيتات الريفية شأنه بذلك شأن تشن توهسيو ويدعو إلى هجوم قويّ على العواصم الاستراتيجية الكبرى مثل تشانغشا وووهان ونانتشانغ، وكان يطالب بالإرهاب في القرى لضرب معنويات الأسياد وبأن يقوم العمال بهجوم واسع وبإضرابات وتمرّدات في المدن لشلّ حركة العدوّ في قواعده، وبمناوشات في الشمال تمتدّ من منغوليا الخارج حتّى مانشوريا مدعومة بالاتّحاد السوفياتي. كانت موسكو تدينه كثيرا إذ اعتبر الصين عام 1930 مركز الثورة العالميّة وأنكر دور الاتّحاد السوفياتي.

ونعود الآن لمتابعة ما يرويه ماو:

"و لكن لي لي سان كان يُغالي في تقدير قوّة الجيش الأحمر العسكريّة وعوامل نجاح الثورة في المسرح السياسي الوطني في تلك الفترة. كان يتصوّر بأنّ الثورة أوشكت على الانتصار وأنّها ستتسلّم السّلطة في الصين. وعزّزت الحرب الأهليّة الطّويلة والمنهكة بين فنغ هيو هسيانغ وتشيانغ كاي شيك هذا الاعتقاد لدى لي لي سان واعتبرها فرصة سانحة للنصر النهائي. ولكن الجيش كان يقدّر بأنّ العدوّ يهيّء لعمليات واسعة ضدّ السوفيتات، ما إن ينتهي من حسم خلافاته الدّاخليّة، وليس من المناسب القيام بمغامرات تكون عواقبها وخيمة. وقد ثبتت صحّة هذا التقدير.

تم القضاء على اتجاه لي لي سان في الجيش بعد أحداث هونان وعودة الجيش الأحمر إلى كيانغسي، وخاصة بعد الاستيلاء على كيان. وثبت بذلك خطأ سان مما أفقده تأثيره في الحزب، ولكن الجيش عاش فترة حرجة قبل التخلص الكامل من الليليسانية. كان جزء من الفرقة الثالثة من أتباع اتجاه لي لي سان، وطالب بفصل الفرقة الثالثة عن بقية الجيش، وقف بنغ تيه هواي يناضل بحرارة ضد هذا الاتجاه ونجح في الحفاظ على وحدة القوات بقيادته وبولائها للقيادة العليا، ولكن الجيش العشرين الذي يقوده ليوتي تساو أعلن تمرّده وقام باعتقال رئيس سوفيات كيانغسي واعتقل العديد من الضباط والموظفين وهاجمنا في كلّ سياساته معتمدا خط لي لي سان، حدث هذا في فوتيين وأصبح معروفا باسم حادثة فوتيين. وبما أنّ فوتيين كانت قريبة من كيان، مركز المقاطعات السوفياتية، اعتقد الكثيرون أنّ قدرة الثورة تعتمد على نتيجة هذا الصراع، ولكن التمرد أُخمد بسرعة، ساعد في ذلك ولاء الجيش الثالث ووحدة الحزب والقوات الحمراء وتكاتفها ومساندة الفلاحين على نطاق واسع. فتمّ اعتقال ليوتي تساو وجُرّد المتمرّدون الآخرون وتمّ تصفيتهم، وأعيد تثبيت خطّنا بعد أن أٌخمدت الليليسانية تماما. وكنتيجة لذلك سجلت حركة السوفيتات مكاسب عظيمة ومشرقة.

تنبهت نانكينغ للإمكانيات الثورية الكامنة في سوفيتات كيانغسي وبدأت حملتها الإبادية الأولى ضد الجيش الأحمر عام 1930، إذ تحرّكت قوات معادية تعدّ أكثر من مئة ألف رجل لدخول المنطقة من خمس اتّجاهات، وكان قائد الحملة العام لوتي بينغ. وبالمقابل استطاع الجيش الأحمر تعبئة ما يقارب أربعين ألف مقاتل، وعن طريق الاستخدام الذكيّ لحرب الحركة هاجمنا الحركة الأولى وسجّلنا انتصارا حاسما عليها، واتبعنا تكتيك التجمع السّريع والحركة الديناميكيّة، هاجمنا كلّ وحدة بشكل منفصل مستخدمين قواتنا الرئيسية واستطعنا أن نشنّ هجوما مركّزا وبأعداد أكبر على الوحدات المعزولة للقوات الكومنتانغيّة بعد أن استدرجناها إلى المناطق السوفياتية وحاصرنا كلّ وحدة بشكل منفصل، وعلى هذا النّحو واجهنا امتيازهم الستراتيجي العظيم القائم على التفوّق العددي.

سحقنا الحملة الأولى تماما في كانون الثاني عام 1930، ولم يكن بمقدورنا تحقيق هذه النتيجة إلاّ تبعا لثلاث ظروف تميّز بها الجيش الأحمر قبل بداية الحملة وهي: تعزيز وحدة الجيش الأوّل والجيش الثالث بقيادة مركزية واحدة، تصفية اتّجاه لي لي سان المغامر، وأخيرا انتصار الحزب على الفئة المناهضة للبلشفية وممثّلي الثورة المضادّة في صفوف الجيش الأحمر ومقاطعات السوفيتات (ليوتي تساو وزمرته ).

بعد أربعة أشهر من التقاط الأنفاس، بدأت نانكينغ حملتها الثانية وكان يقود جيوشها في ذلك الوقت هو ينغ تشن ( الذي أصبح وزيرا للحربية الآن ). كانت قواته تزيد على مئتي ألف رجل، فاقتحم المناطق الحمراء عبر سبعة اتّجاهات. كانت مساحة الأرض المحرّرة صغيرة جدّا نسبيّا، وكانت مواردنا ضئيلة ومعدّاتنا نادرة، بالمقابل كان العدوّ يتمتّع بقوّة ماديّة تفوق الجيش الأحمر على مراحل في كلّ المجالات. ولمواجهة هذا الجيش الضّخم، استمرّ الجيش الأحمر في اتّباع تكتيكه السّابق والذي أثبت نجاحا حتّى الآن، فاستدرجنا القوّات المعادية إلى المناطق الحمراء وركّزت قوّاتنا ضربتها على تجمّع العدوّ في الطّريق الثاني واستطعنا أن ندخل خسائر فادحة في عدّة كتائب ودحرها ممّا أفقد الجيش المعادي قدرته الهجوميّة، وعلى الفور وبشكل متلاحق قمنا بعدّة هجمات متتالية على الطريق الثالثة والسادسة والسابعة وهزمنا كلّ تشكيلة على حدة. فتراجعت قوّة الطّريق الرّابعة دون أيّ قتال ودمّرت قوّة الطريق الخامسة جزئيّا. قاتل الجيش الأحمر في ستّة معارك خلال أربعة عشر يوما وسار ثماني أيام وانتهى بانتصار حاسم، وبسحق أو انسحاب بقيّة فلول العدوّ. وكما انسحبت قوّة التشكيلة الأولى للعدوّ التي كان يقودها تشيانغ كوانغ ناي وتساي تينغ كاي بدون أيّ قتال فعليّ.

وبعد مرور شهر تحرّك تشيانغ كاي شيك على رأس جيش عدّ أكثر من ثلاثمائة ألف رجل متوجّها "لإبادة اللّصوص الحمر عن بكرة أبيهم"، وكان يساعده أكثر قادته كفاءة: تشنغ مينغ شو، وهو ينغ تشن، وتشو شاو ليانغ. وكان كلّ منهم مسؤولا عن مدخل رئيسي للتقدّم. توقّع تشانغ أن يباغت المناطق الحمراء بهجوم صاعق "ويمحو اللّصوص الحمر بسرعة". تحرّكت جيوشه بسرعة ثمانين لي في اليوم في قلب مقاطعات السوفيتات، وكان هذا الأمر عاملا لتهيئة الظّروف الملائمة التي يقاتل فيها الجيش الأحمر بجدارة، كما أثبتت بعد مدّة قريبة من ذلك أخطاء تشيانغ التكتيكية. كانت قواتنا الرئيسية تعدّ 30 ألف رجل واستطاعت عن طريق سلسلة من الحركات الذكية أن تهاجم خمسة تشكيلات مختلفة خلال خمسة أيّام، استولى الجيش الأحمر على كثير من السلاح والعتاد والأجهزة في المعركة الأولى كما أسر أعدادا كبيرة من الأعداء، وما إن قارب شهر أيلول حتّى اعترف العدوّ بفشله وأمر تشيانغ كاي شيك قوّاته بالتّراجع في تشرين الأوّل.

منذ ذلك التاريخ دخل الجيش الأحمر فترة من الهدوء والنمو إذ حصل انتشار سريع جدّا.

عُقد المؤتمر الأوّل للسوفيتات في 11 كانون الأوّل 1931 وأُقيمت أوّل حكومة سوفياتية مركزيّة وتمّ انتخابي رئيسا لها، كما انتخب تشو تيه قائدا عامّا للجيش الأحمر، في نفس الوقت حصلت انتفاضة نينغتو العظيمة إذ تمرّد ما يزيد على عشرين ألف جندي من الجيش الثامن والعشرين التابع للكومنتانغ وانضمّوا إلى الجيش الأحمر، كان على رأس الانتفاضة تنغ تشينغ تان وتساوبو شين (قتل في معركة كيانغسي) أمّا تنغ فهو قائد الجيش الأحمر الخامس اليوم والذي شكّل من القوات المتمرّدة في حادث الانتفاضة.

بدأ الجيش الأحمر أوّل هجوم استراتيجي له في عام 1932 إذ خاض معركة كبيرة في تشانغتشو في ولاية فوكيين وحرّر المدينة، وفي الجنوب هاجم الجيش الأحمر تشن تشي تانغ في ولاية تان هيسانغ ولوآن ولي تشوان وتشيين نينغ وتان ينغ على جبهة تشيانغ كاي شيك، كما هاجم كانتشو ولكنّه لم يستطع اقتحامها. ومنذ تشرين الأوّل من عام 1932 وما بعدها، حتّى بداية المسيرة الكبرى إلى الشمال الغربي، كرّست معظم وقتي لمهمات العمل في حكومات السوفيات بشكل رئيسي تاركا مهمة القيادة العسكرية لتشوتيه وآخرين.

في نيسان من عام 1933 بدأت حملة نانكينغ الرابعة المركّزة لإبادة(4) الجيش الأحمر والتي تعتبر من أخطر وأشدّ الحملات بأسا على جيش نانكينغ. وفي الجولة الأولى من هذه المعركة جُرّدت فرقتان من الأسلحة وأُسر قائداهما كما حُطّمت الفرقة الثانية والخمسين تماما ودُمّر جزء كبير من الفرقة التاسعة والخمسون وأُسر في هذه المعركة 13.000 رجل في تالونغ بنغ وتشساو هوي في لوآن هسيين. بعدها تمّ تدمير فرقة الكومنتانغ الحادي عشر والتي كان يعتزّ بها تشيانغ كاي شيك ويعتبرها مفخرة فرقه. وجُرّد معظمها من الأسلحة كما أُصيب قائدها بجروح بالغة.

أٌعتبرت هذه اللّقاءات نقاط تحوّل حاسمة في تاريخ الجيش الأحمر وقد انتهت بعدها الحملة الرابعة بقليل. كتب تشيانغ كاي شيك في هذه الفترة إلى تشين تشنغ قائد الميدان يخبره أنّ هذه الهزيمة كانت أعظم هزيمة واجهها في حياته.

لم يكن تشين تشنغ مقتنعا بالاستمرار في حملته ضدّ الحمر كما أعلن رأيه "انّه يعتبر مقاتلة الحمر أمرا طويل الأمد لا يمكن الوصول إلى نهايته مدى الحياة". ولمّا وردت هذه التقارير لتشيانغ كاي شيك، عزله عن منصبه كقائد أعلى.

في الحملة الخامسة والأخيرة جنّد تشيانغ كاي شيك ما يقارب المليون رجل واتبع تكتيكا واستراتيجية جديدتين. إذ بدأ تشيانغ منذ حملته الرابعة أسلوب الحصار والتحصين بناءا على توصيات مستشاريه الألمان، أمّا في حملته الأخيرة فقد اعتمد هذا الأسلوب اعتمادا كليّا.

في هذه الفترة وقعنا في خطأين مميتين أوّلهما هو عجزنا عن إقامة وحدة متماسكة مع جيش تساي تينغ كاي عام 1933 أثناء تمرّد فوكيين. وثانيهما هو تبنّي الاستراتيجية الخاطئة في اعتمادنا على الدّفاع فقط مهملين تكتيكنا السابق في حرب الحركة.

كان خطأ مميتًا أن نواجه قوّات نانكينغ المتفوّقة عدديّا وبنسب خياليّة باتّباع تكتيك حرب المواقع والتي لم يكن الجيش الأحمر مؤهّلا لها فنيّا ونفسيّا.

وكنتيجة لهذه المسببات وللتكتيك والاستراتيجية الجديدين للحملة الجديدة، يضاف إليها التفوّق في العدد والعدّة للقوات الكومنتانغيّة، اضطرّ الجيش الأحمر عام 1934 لتغيير ظروف وجوده في كيانغسي التي أصبحت تزداد خطرا. ومن ناحية أخرى أدّت هذه الظّروف السياسيّة الوطنيّة إلى اتّخاذ قرار بنقل مسرح العمليّات الرئيسية إلى الشمال الغربي، خاصّة بعد غزو اليابان لمانشوريا وشانغهاي، إذ أنّ الحكومة الشّعبيّة أعلنت الحرب رسميّا ضدّ اليابان في شباط عام 1932. غير أنّنا لم نستطع تطبيق هذا الموقف عمليّا نتيجة الحصار الذي فرضته القوّات الكومنتانغيّة على المقاطعات المحرّرة، وقد دعونا في بيان عامّ إلى إقامة جبهة وطنيّة متّحدة من مجموع القوى المسلّحة في الصّين لمقاومة الإمبريالية اليابانية. وقد أعلنت الحكومة السوفياتية في أوائل عام 1933 استعدادها للتعاون مع الجيش الأبيض على أساس إيقاف الحرب الأهليّة وإيقاف الهجمات على مناطق السوفيتات والجيش الأحمر وتأمين الحريات المدنية العامة والحقوق الديمقراطية لكلّ الجماهير وتسليحها وتأهيلها لحرب مناهضة لليابان.

كانت حرب الإبادة الخامسة قد بدأت قي تشرين الأوّل عام 1933 حتّى كانون الثاني عام 1934، وإبّان هذه الحملة عُقد المؤتمر الثاني لعموم السوفيتات في الصين في جويشين العاصمة السوفياتية، وطُرح تقييم شامل للإنجازات الثوريّة فيه، كما قدّمت تقريرا مطوّلا في هذا المؤتمر، وقد أنهى المؤتمر أعماله بانتخاب الحكومة السوفياتية المركزية الحالية، وبدأت التحضيرات بعدها للمسيرة الكبرى. بدأت المسيرة في تشرين الأوّل عام 1934 بعد عام من التاريخ الذي شن فيه تشيانغ كاي شيك حملته الأخيرة، وكانت نتيجتها سنة كاملة من القتال المستمرّ والنضال والخسائر الكبيرة من كلا الجانبين.

في كانون الثاني من عام 1935 وصلت طلائع القوى الرّئيسية للجيش الأحمر تسون يي في كويتشو وللأشهر الأربع التي تلت هذا التاريخ استمرّ الجيش في تحرّكه وهو يقوم بأنشط معاركه وقتالاته، ووصل الجيش الأحمر في نهاية المطاف بعد مرحلة مليئة بالصعاب والتعقيدات، وقد قطع أطول وأعمق الأنهر في الصّين وأكثرها خطرا، كما تجاوز الطرق والمسالك الجبلية الوعرة مخترقا مناطق سهلية ومكشوفة، متعرّضا للبرد والحرّ الشديدين، وواجه الثلوج والعواصف الثلجية مع ملاحقة دؤوبة من قبل آلاف القوات البيضاء ومخترقا المواقع المحلية للكومنتانغ أثناء مسيرته ومارّا بهونان وكوانغسي وكويتشو ويونان وسيكونغ وسز شوان وكامسو وشنصي إلى أن وصل شمال شنصي في تشرين الأوّل عام 1935 وأرسى دعائم القاعدة السوفياتية ووسّعها.

يعود الفضل في اتمام المسيرة الظّافرة للجيش الأحمر ووصولها منتصرة إلى كانسو وشنصي محتفظة بقوّاتها متماسكة، يعود إلى القيادة الحكيمة للحزب الشيوعي وبدرجة ثانية إلى الجرأة والتصميم العظيمين والحسّ الثوري المندفع، والقدرة الفائقة لدى هذه القوّات على تحمّل المشاقّ فوق الطّبيعيّة، والتي كانت تتجلّى لدى الكوادر الأساسيّة من شعبنا السوفياتي.

إنّ الحزب الشيوعي الصيني، كان ولا زال وسيستمرّ إلى الأبد أمينا على الماركسيّة اللّينينيّة ضدّ كلّ الاتّجاهات الانتهازيّة وهذا هو سبب صموده وبقائه وانتصاره".

_________________

(1)- لا يُعتبر هذا الأمر غامضا، فالأبواب الخشيسّة للبيت الصّيني سهلة الخلع وتستعمل عادة في اللّيل كأسرّة للنّوم. (2)- كانت تنشد يوميّا كأغنية خاصّة بالجيش الأحمر.

(3)- كان يستخدم موارد هذه الأرض أثناء الثورة العظيمة لصالح الحركة الفلاحية في هونان.

(4)- كثيرون لا يعرفون بدقّة تقدير عدد الحملات الرئيسية الموجّهة ضدّ مقاطعات السوفيتات وفي كثير من القصص المرويّة عن الحرب المعادية للحمر، قدّرها بعض الكتّاب بثماني حملات للإبادة. غير أنّ العديد من الحملات التي كانت تقوم بها نانكينغ دفاعية فقط، وكما يروي القادة الحمر انّ هناك خمس حملات رئيسية مضادة لهم. وهي بالتحديد مع عدد قوات نانكينغ المشتركة في كلّ حملة كما يلي: الأولى: من ديسمبر 1930 إلى يناير 1931 عدد القوات بلغ 100000 جندي.

الثانية: من أيار إلى حزيران عام 1931 - - - 200000 جندي.

الثالثة: من تموز إلى تشرين الأوّل عام 1931 - - - 300000 جندي.

الرّابعة: من نيسان إلى تشرين الأوّل عام 1933 - - - 250000 جندي.

الخامسة: من تشرين الأوّل 1933 إلى تشرين الأوّل 1934 --- 900000 جندي.

لم تقم نانكينغ بأيّة حملة رئيسية خلال عام 1932 لأنّ تشيانغ كاي شيك كان يقف موقفا دفاعيا مستخدما قوة دفاعية تصل إلى 500000 جندي، وعلى العكس من ذلك كانت هذه السنة حافلة بالهجمات الحمراء. ومن الواضح أنّ حملات نانكينغ الدّفاعيّة عام 1932 والتي كان يروّجها الكومنتانغ بكونها "حملات مناهضة للحمر" فهمها بعض الكتّاب واعتبروها حملات هجوميّة للإبادة.

المقابلة الصحفية مع ماو تسي تونغ سنة 1936: الفصل الخامس


-5-

الحركة السّوفياتيّة

تجدر الإشارة إلى الأحداث التي وقعت في ربيع عام 1927 كما حدثني عنها ماو تسي تونغ، أنها ليست جزءا من حياته الشخصية ولكنها جديرة بالملاحظة لكونها تعكس تجربة شخصية لتحوّل في حياة كلّ شيوعي صيني.

سألت ماو عن أولئك الذين يتحملون مسؤولية فشل الحزب عام 1927 وهزيمة حكومة الائتلاف في ووهان، وفوز دكتاتورية نانكينغ الحاسم، وعليه وضع ماو المسؤولية الرئيسية على تشن توهسيو الذي "حرم الحزب من القيادة الحازمة ومن اتخاذ برامج وخطط خاصة به في مرحلة اعتبر فيها المزيد من المساومة، مصيبة".

حمّل ماو المستشار السياسي الروسي الرئيسي، بورودين، المسؤولية الثانية بعد تشن في هزيمة الحزب، فقد أوضح ماو موقف بورودين المتردد وغير الواضح. فبعد أن كان موقفه إلى جانب الرّأي الداعي لإعادة توزيع جذري للأرض عام 1926 تحوّل لمعارضة هذا الرأي عام 1927، دون أيّ تفسير منطقي لتذبذباته. كان بورودين يقف على يمين تشن توهسيو وكان على استعداد للقيام بأيّ شيء ليضمن ولاء البورجوازية حتّى ولو كان ذلك على حساب مصالح العمّال بنزع السلاح من أيديهم، وقد أمر فعلا بتجريد سلاح العمال في النهاية. أمّا روي فكان يبعد قليلا على يسار تشن وبورودين إلاّ أنّه كان يقف هذا الموقف على الصعيد النظري فقط، ودون أن يقدّم النهج الواضح لتحقيق ما يقول وكما اعتبره ماو مخبولا اعتبر بورودين مخرّبا وتشن خائنا من حيث لا يدري.

كان تشن يخاف العمال والفلاحين والمسلحين منهم خاصة، إلى درجة انهارت معها أعصابه عندما ووجه بتمرّد مسلّح، حتّى أنّه عجز عن فهم ما حصل، واتّضح ذلك من خلال ذعره والذي نمّ عن غرائزه البورجوازية الصغيرة. كان تشن في تلك الفترة، الدكتاتور الفعلي للحزب الشيوعي الصيني، يتخذ قراراته دون اعتبار وجهة نظر اللجنة المركزية بكاملها. لم يكن معظم القادة الحزبيين على اطّلاع مسبق بتوصيات الكومنترن كما لم يكن لهم دور في بحثها. وأخيرا قام روي بمسؤوليته في دفع التحالف مع الكومنتانغ إلى مرحلته الأخيرة، إذ حصل روي على نسخة من الرسالة التي بعثها الكومنترن إلى بورودين يطالب فيها الحزب بالمباشرة في مصادرة أراضي الإقطاعيين، وما كان منه إلاّ أن كشف محتوياتها إلى وانغ تشينغ وي، رئيس حكومة ووهان اليسارية في حينه، وكنتيجة لهذا الموقف طرد نظام ووهان الشيوعيين من الكومنتانغ ممّا أدّى إلى إضعاف قوّة هذه الحكومة، إلى درجة جعلها فريسة سهلة لتشيانغ كاي شيك الذي وجّه ضربة قاصمة لها.

كان الكومنترن يوجه تعليماته إلى تشن توهسيو عام 1927، وكان الأخير يفسرها بما يتّفق مع أهوائه دون استشارة رفاقه. أصبح الإخفاق التام في ووهان محورا للنضال في روسيا حول مفهوم "الثورة العالمية"، إذ حُطّمت المعارضة في روسيا بعد هذه الفترة واندحرت نظرية تروتسكي في "الثورة الدائمة" وسار الاتحاد السوفياتي بخطى حثيثة لبناء الاشتراكية في بلد واحد.

وعلى حد تقييم ماو، لم تكن الثورة المضادة مؤهلة لتهزم عام 1927 حتى ولو اتبع الحزب الشيوعي سياسة أكثر جذرية وخلق جيوشا شيوعية من العمال والفلاحين قبل أن ينفصل عن الكومنتانغ، إلاّ أنّه كان بالإمكان استغلال الفرصة للبدء في إقامة السوفيتات في الجنوب لتصبح قاعدة لا يمكن أن تُهزم فيما بعد.

تابع ماو روايته عن نفسه إلى أن وصل إلى مرحلة بداية تأسيس السوفيتات التي نشأت على حطام الثورة وناضلت بأياد خاوية لبناء نصر جديد بعد الهزيمة فاستمرّ قائلا:

" في الأوّل من تموز عام 1927 قاد هولونغ وييه تينغ بالتعاون مع تشوتيه، الجيش العشرين في انتفاضة نانتشانغ التاريخية والتي ثبّتت بداية تشكيل وتنظيم الجيش الأحمر. وبعد هذا التاريخ بأسبوع دعت اللجنة المركزية لاجتماع لها فوق العادة وأقرت إقصاء تشن توهسيو عن أمانة اللّجنة. و منذ أن كنت عضوا في المكتب السياسي للجنة في المؤتمر الثالث في كانتون عام 1924 ساهمت فعليّا في اتّخاذ هذا القرار. وقد حضر هذا الاجتماع عشرة آخرون أذكر منهم: تساي هوشنغ، ومنغ كونغ تا، وتشوتشيو باي. اتّخذ الحزب سياسة جديدة، وقطع كلّ شكل في اللّقاء مع الكومنتانغ الذي أصبح أداة بيد الإمبريالية وأثبت انعدام قدرته في تحمّل مسؤولية الثورة الديمقراطية، وبدأ بعدها الصّراع المكشوف على السلطة الذي استمرّ حتّى يومنا هذا.

كلّفني الحزب بالتوجّه إلى تشانغشا لتنظيم حركة اشتهرت فيما بعد باسم: "تمرّد محصول الخريف" كنت أطالب في برنامجي بالنّقاط الخمس التالية:

(1) فصل فرع الحزب في الولاية عن الكومنتانغ تماما.

(2) تنظيم جيش ثوري من العمال والفلاحين.

(3) مصادرة ممتلكات الإقطاعيين الصغار والمتوسطين والكبار.

(4) إقامة سلطة الحزب الشيوعي في هونان بشكل مستقلّ عن الكومنتانغ.

(5) تنظيم السوفيتات.

كان الكومنترن يعارض النقطة الخامسة بشدة ولكنه عاد فرفعها كشعار فيما بعد.

في شهر أيلول خطونا نحو تنظيم تمرّد شامل من خلال الاتحادات الفلاحية في هونان، وتشكلت الوحدات الأولى من جيش العمال والفلاحين. كان التجنيد في الجيش الثوري يتم من خلال ثلاث مجالات رئيسية هي الفلاحون وعمال المناجم في هانيانغ والقوات المتمردة على الكومنتانغ، وسمّيت هذه القوّة العسكرية الثوريّة "بالفرقة الأولى لجيش العمال والفلاحين الأوّل" وقد تشكلت الكتيبة الأولى من عمال مناجم هانيانغ وتمخضت الثانية من الحرس الفلاحي لمقاطعة بينغ كيانغ ولي لينغ ومقاطعتين أخريين في هونان، أمّا الثالثة فتشكلت من جزء من قوات حامية ووهان والتي أعلنت تمرّدها ضدّ وانغ تشينغ وي. أخذت لجنة الفرع الحزبيّة لمقاطعة هونان على عاتقها مهمة تنظيم هذا الجيش لكون اللجنة المركزية معارضة لبرنامج لجنة الفرع في هونان. واكتفت باتخاذ السياسة السلبية معتمدة على مراقبة الأوضاع بدلا من المجابهة الإيجابية.

وأثناء تجوالي لتنظيم الجيش ذهابا وإيابا بين عمال مناجم هانيانغ، والحرس الفلاحي قامت قوة من المنتوآن والذين يعملون مع الكومنتانغ باعتقالي، وكانت موجة الإرهاب لدى الكومنتانغ في أوجها إذ قام بقتل مئات المتهمين الشيوعيين، فاتّخذت القوة أمرا بنقلي إلى المقر الرئيسي للمنتوآن حيث بات من المحتم إعدامي واستدنت بضع عشرات من الدولارات من رفيق لي محاولا رشوة الحراس لإطلاق سراحي. كان الجنود العاديون من المرتزقة ولم يكن لديهم أدنى اهتمام في قتلي ووافقوا على إطلاق سراحي غير أنّ المسؤول عنهم حال دون ذلك، لذا قررت الهرب ولم تُتح لي فرصة لذلك إلاّ عند وصولنا على بعد 200 يارد عن المقر الرئيسي للمنتوآن. في تلك اللحظة استطعت فكّ قيودي والقفز باتجاه الحقول إلى أن وصلت موقعا مرتفعا فوق مستنقع تحيطه النباتات العالية واختبأت هناك حتّى المغيب. تابعني جنود المنتوآن وأرغموا بعض الفلاحين على مساعدتهم في البحث عني وشعرت بهم على مقربة مني في أحيان كثيرة، وأكثر من مرّة كانوا قريبين مني لدرجة كان بمقدوري سماع همسهم، ولكنهم لم يكشفوا مكان وجودي، ومع غروب الشمس يئسوا من العثور عليّ وأقفلوا عائدين. بدأت مسيرتي التي استمرّت طوال الليل، كنت حافي القدمين وأصبت بعدة جروح في قدمي.

أثناء مسيرتي صادفني أحد الفلاحين فآواني في بيته وقادني بعد ذلك إلى المقاطعة الثانية. كان لديّ سبع دولارات اشتريت بها حذاءا، ومظلة وبعض الأطعمة. ولمّا وصلت إلى الحرس الفلاحي لم أكن أملك أكثر من درهمين.

بعد تشكيل الفرقة الجديدة تسلمت مسؤولية اللجنة الحزبية للجيش كما أصبح يوشاتو (وهو قائد قوات حامية ووهان سابقا) قائدا للجيش الأوّل، إلاّ أنّه فرّ بعدها بقليل وانضمّ إلى الكومنتانغ وهو يعمل حاليا مع تشيانغ كاي تشيك في نانكينغ.

تحرّك الجيش الصغير الذي يقود التمرّد الفلاحي نحو هونان وكان عليه أن يخترق صفوف الآلاف من قوّات الكومنتانغ وقد قاتل في عدّة معارك وتلقّى عدّة ضربات، لم يكن الانضباط بعد قد دخل مرحلة عالية كما كان التأهيل السياسي والتدريب العسكري محدودا جدّا. يضاه إلى ذلك، وجود عناصر متردّدة بين الضبّاط و الجنود أدّى إلى فرار العديد منهم.

بعد فرار يوشاتو أعيد تنظيم الجيش مع وصول نينغ كو، وأصبح تشنغ هاو قائدا لما تبقّى من القوات التي تقلّص عددها إلى كتيبة واحدة فقط، ولكن تشنغ خان هو الآخر وبالرغم من ذلك فإنّ الغالبية من المجموعة الأولى بقيت موالية للحزب حتّى النهاية. ولا زال حتّى اليوم رجال منهم في الجيش الأحمر مثل لويان هوي المفوض السياسي لفرقة الجيش الأولى ويانغ لوسو وهو أحد القادة العسكريين حاليا. كان عدد المجموعة لا يتجاوز الألف مقاتل عندما تسلّقنا جبل تشينغكا نشان(1). وكنتيجة لاعتراضات اللجنة المركزية على برنامج "تمرد محصول الخريف" وللخسائر الجسيمة التي لحقت صفوف الجيش الأول، اعتبرت الحركة فاشلة وتبرّأت منّي اللّجنة المركزية وتمّ فصلي من المكتب السياسي ومن لجنة الجيش الحزبية، كما هاجمتنا لجنة هونان الفرعية ووصفتنا بـ"حركة البندقية"، إلاّ أنّنا أعدنا بناء جيشنا وتنظيمه في تشينغكا نشان وثبّتنا تماسك صفوفنا ونحن على قناعة بصحة مسيرتنا، وقد جاءت الأحداث اللاحقة لتدعم موقفنا بقوة إذ بدأت حركة تطوّع واسعة، أعدنا على إثرها بناء الفرقة من جديد وتسلّمتُ مسؤولية قيادتها.

منذ شتاء عام 1927 وحتى خريف عام 1928 بقيت الفرقة الأولى متمركزة في مواقعها في تشينغكا نشان، وفي تشرين الثاني عام 1927 أنشئ أوّل سوفيات في تسالين على الحدود الهونانية وتمّ انتخاب أوّل حكومة شعبية، أصبح توتسونغ مينغ رئيسا لها. وقد اعتمدنا في هذا السوفيات برنامجا ديمقراطيا وسياسة مرنة تعتمد على التطور البطيء والمتناسق، لذا بدأت اتهامات انقلابيي الحزب المطالبين بسياسة إرهابية تقوم على الغزو والحرق وقتل الإقطاعيين كوسيلة لهدم معنوياتهم، إلاّ أنّ لجنة الجيش الأوّل لم تأخذ بهذا التكتيك رغم اتهاماتهم لنا بالإصلاحيين.

انضمّ إلى الجيش الأحمر اثنان من قادة اللّصوص في تشينغكا نشان في شتاء عام 1927، وهما وانغ تسو ويوآن ون تساي، وأضافا ما يقارب الثلاث كتائب لجيشنا. وعيّن كلّ منهما قائدا لكتيبة في الوقت الذي كنت فيه قائدا للجيش. وقد ساهما بشكل فعّال مع قوّاتهما في الثورة الوطنية رغم كونهما لصّين سابقين. أمّا الآن فقد أعلنا عن استعدادهما لمحاربة الرجعية، وكانا أثناء وجودي في تشينغكا نشان يأتمران بأمر الحزب ويعملان ضمن مخطّطاته، ولكنّهما عادا إلى ممارسة اللّصوصيّة فيما بعد فقام الفلاّحون الذين انتظموا في السوفيتات بتنفيذ حكم الإعدام بهما إذ كانوا قادرين على حماية أنفسهم.

في أيار من عام 1928 وصل تشوتيه إلى تشينغكا نشان واندمج مع قواتنا وقمنا بوضع خطط مشتركة لإقامة ستة مناطق سوفياتية لتثبيت وتعزيز السلطة الشيوعية تدريجيا في مناطق الحدود بين هونان وكيانغسي وكوانغتونغ. وباستعمال هذه المناطق كقاعدة انطلاق نحو مزيد من المناطق الأخرى المحرّرة. كانت هذه استراتيجية معارضة لتوصيات الحزب التي تطالب بالتوسّع السّريع. وكان عليّ بالتعاون مع تشوتيه أن نناضل ضدّ نزعتين: الأولى الدّاعية إلى التقدّم نحو تشانغشا حالا واعتبرناها مغامرة، والنّزعة الثانية الداعية إلى الانسحاب إلى جنوب كوانغتونغ واعتبرناها نزعة انهزامية. وكانت مهماتنا الرئيسية آنذاك تتلخّص في توزيع الأراضي وإقامة السوفيتات وكنّا نتطلّع إلى تسليح الجماهير للإسراع في إنجاز هذه المهامّ. كانت سياستنا في تلك الفترة تدعو إلى التجارة الحرّة ومعاملة الأسرى من قوّات الأعداء معاملة كريمة وطيّبة، وعلى وجه العموم دعونا لإقامة تحسينات ديمقراطية.

عُقد مؤتمر تمثيلي في تشينغكا نشان في خريف عام 1928 وحضره ممثلون عن المقاطعات السوفياتية في الشمال، كانت الخلافات في الرأي قائمة بين الأعضاء الحزبيين في المقاطعات المحررة في المسائل الآنفة الذكر. وقد طُرحت في هذا المؤتمر وجهات نظر مفصلة، وبالرغم من أنّ الأغلبية وقفت إلى جانبنا إلاّ أنّه كان هناك أقلية معارضة تعتبر هذه السياسة طريقا إلى الحدّ من السّلطة الشعبية. وعند التصويت فاز قرارنا بدون معاناة. وعلى الرّغم من ذلك، فلم تصل إلينا موافقة لجنة الحزب المركزية على حركتنا هذه، ولم نحصل على موافقة منها إلاّ في شتاء عام 1928 عندما وصلنا تقرير عن محاضر جلسات المؤتمر السادس للحزب المنعقد في موسكو.

وضعت قرارات المؤتمر السادس تلخيصا لتجربة ثورة 19251927 وتجارب تمرّد نانتشانغ وكانتون ومحصول الخريف، وانتهى بالإقرار والتأكيد على الحركة الفلاحية، في هذه الفترة بدأت الجيوش الحمراء تظهر في مناطق أخرى من الصّين إذ قامت تمرّدات في الشّرق والغرب من هوبيه في شتاء عام 1927. وأهّلت الوضع لقيام سوفيتات جديدة، كما بدأ هولونغ في الغرب وهسوهاي تونغ في الشرق في تنظيم الجيوش العمالية والفلاحية، وأصبحت منطقة عمليات الأخير نواة سوفيات أو يووان، والتي ذهب إليها في وقت لاحق هوهسيانغ تشيين، وتشيانغ كووتاو. كما بدأ فانغ تشيه مين وهسياو شيه نينغ حركة على الجدود الشمالية الشرقية لكيانغسي – فوكيين في شتاء عام 1927. وتطوّرت من خلالها قاعدة سوفياتية قوية. وبعد فشل تمرّد كانتون، قاد بنغ باي جزءا من القوّات الموالية لهايلوفنغ وأقام سلطة شعبية هناك، ولكنّه اتّبع سياسة انقلابية مرتجلة ممّا أدّى إلى تحطيمه بعد فترة وجيزة، ولم يتبقّ من جيشه سوى جزء قاده كوتا تشين الذي أجرى اتّصالات مع تشوتيه ومعي، وأصبح فيما بعد نواة الجيش الأحمر الحادي عشر. في ربيع عام 1928 بدأ الأنصار ينشطون في هسينغكو وتونغكو في كيانغسي بقيادة لي ون لونغ ولي ساو تشو، كما كانت تنطلق هذه الحركة من قاعدة لها حول كيان وأصبح هؤلاء الأنصار فيما بعد نواة الجيش الثالث. بينما أصبحت المقاطعة نفسها قاعدة للحكومة المركزية الشعبية، وأقام تشيانغ تنغ تشن وتينغ تزو هوي (قتل فيما بعد) وهو باي تيه (والذي أصبح اشتراكيا ديمقراطيا فيما بعد) أقاموا سوفيتات في فوكيين الغربية.

إبّان النّضال ضدّ النزعة المغامرة في تشينغكا نشان، حقّق الجيش الأوّل انتصارا على محاولتين من الجيش الأبيض لاستعادة الجبل. وبذا أثبت تشينغكا نشان أنّه قاعدة ممتازة صالحة لجيش متحرّك كالجيش الذي تمّ بناؤه هناك. كان بالإضافة إلى حصانته الطبيعيّة يحوي على محصولات إنتاجية تكفي لتمويل جيش صغير. كان يبلغ قطر الجبل 80 لي. كان يُدعى محليّا بـ "تاهسيو ووتشين" والذي اكتسب تسميته هذه من وجود خمسة آبار للماء على جوانبه. وتدعى: تا، هسياو، شانغ، هسيا، تشونغ. أي الكبير والصّغير والأعلى و الأسفل والمتوسّط. وقد سميّت القرى الخمس المتواجدة على هذا الجبل بأسماء هذه الآبار.

بعد اندماج قواتنا في تشينغكا نشان، أعيد تنظيم الجيش وولد بذلك الجيش الأحمر الرابع الشهير، وتسلّم تشوتيه قيادته كما أصبحت مفوّضه السياسي، والتحقت بنا قوات أخرى في تشينغكا نشان بعد تمردات متعددة في جيش هو شيين في شتاء عام 1928. وشكّل هؤلاء الجيش الأحمر الخامس والذي قاده بينغ تيه هواي. وكان تنغ بنغ (الذي قتل في تسون يي أثناء المسيرة الكبرى) مساعدا له، كما كان هوانغ كوونو (الذي قتل في كوانغسي عام 1931) وتيين تيه يوآن من قادة هذا الجيش.

بدأت الأحوال المعيشية في الجبل تزداد سوءا نتيجة ازدياد عدد القوات المتواجدة فيه، إذ لم يكن لدى القوات ملابس عسكرية كما أصبح الطّعام شحيحا. وكنّا نعتمد لمدّة أشهر طويلة على "القرع" ممّا دفع بالمقاتلين لابتداع شعارات مثل "كلوا القرع ولتسقط الرّأسماليّة" إذ كانت تعني عبارة الرّأسماليّة بالنسبة لهم الإقطاعيين ومنتوجاتهم من القرع. بعد أن غادر بنغ تيه هواي تشينغكا نشان زحف تشو تيه واخترق حصارا للقوات البيضاء وبذا انتهت أوّل إقامة لنا على هذا الجبل في كانون الثاني من عام 1929.

بدأ الجيش الرابع حملة جديدة جنوب كيانغسي ونجحنا في إقامة سوفيتات جديدة في تونغكو حيث اتّحدنا مع قوات حمراء محلية وبعد توزيع القوات تابعنا حملتنا وأقمنا سوفيتات في يونغ تنغ وشانغ هنغ ولونغ ييه، وقد عمل على مساعدتنا في تحقيق هذه الانتصارات المتتالية وجود حركات جماهيرية منظّمة قبل وصولنا إلى هذه المناطق، كما ساهمت هذه الحركة في إرساء قواعد السوفيتات بسرعة. اتّسع تأثير الجيش الأحمر من خلال الحركات الجماهيرية الفلاحيّة والأنصار إلى عدّة مقاطعات أخرى استطاع بعد فترة وجيزة أن يقيم السلطات الشعبية فيها. بدأت أوضاع الجيش الأحمر تأخذ في التحسن من الناحية المادية والسياسية رغم أنّه استمرّت بعض الاتجاهات السيئة. كانت روح التكتل تؤدي إلى إضعاف الانضباط وإلى مبالغات في الاتجاهات الديمقراطية وفي تسيب تنظيمي كما كان من مهماتنا محاربة ظواهر الانفلاش و عدم الميل لحلّ المهمّات الجديدة للحكومة أو التراخي أمامها، والنزعة المغامرة، وظواهر الرّوح العسكريّة التقليدية التي دفعت بعض القادة لإساءة معاملة المقاتلين وصلت إلى حدّ ضربهم أحيانا وإلى حدّ التفريق في المعاملة بعلاقات مزاجية.

واستطعنا التخلّص من العديد من هذه الظواهر بعد عقد المؤتمر الحزبي التاسع للجيش الأحمر الرابع في غرب فوكيين في كانون أوّل من عام 1929. وتناول مناقشة كافة الآراء لتطوير الجيش وسوّى الكثير من الإشكالات الناجمة عن سوء الفهم. كما أقرّ تبنّي خطط جديدة تضع الأساس لتشكيل متطوّر وقيادة واضحة ايديولوجيّا. وقبل انعقاد هذا المؤتمر كانت الظواهر السيئة المذكورة تكاد تشكّل خطرا جديا على الجيش كما كانت منفذا تستغلّه فئة تروتسكيّة في الحزب لتحطيم قوّة الحركة. فواجهناهم بنضال ايديولوجي عنيف وجرّدنا الكثير منهم من مسؤولياته الحزبيّة، ومهامهم في قيادة الجيش. كما لاحظ الحزب نواياهم لتحطيم الجيش الأحمر عن طريق جرّه إلى مواقع صعبة في معاركه ضدّ العدوّ. كانوا يقفون باتجاه مهاجمة برامجنا وكلّ ما ندعو إليه بشكل حادّ، وبعد أن أثبتت التجربة خطأ تصوّراتهم عُزلوا من المسؤوليات التي كانوا يمارسونها. وفقدوا أيّ تأثير لهم بعد مؤتمر فوكيين. مهّد هذا المؤتمر الطّريق لتأسيس السّلطة السّوفياتيّة في كيانغسي والتي سجّلت انتصارات هائلة في السنة اللاّحقة إذ تمكّن الجيش الأحمر من تحرير كلّ جنوب كيانغسي تقريبا وأقام القاعدة المركزية للمناطق السوفييتية الوسطى.

في السابع من شباط عام 1930 عُقد مؤتمر حزبي فرعي في جنوب كيانغسي كانت له أهمية واضحة من خلال مناقشة البرنامج المستقبلي للسوفيتات. وقد حضره ممثّلون عن الحزب والجيش والحكومة الشّعبيّة. وناقشوا مسائل السياسة الزراعيّة بإسهاب وانتصر الموقف المضاد للخط الانتهازي الذي يقف ضد إعادة توزيع الأراضي واتّخذت قرارات تقضي بإعادة توزيع الأراضي و الإسراع في تشكيل المجالس الشعبيّة. كان الجيش الأحمر قد أنشأ مجالس شعبيّة محليّة فقط بذلك قرّر المؤتمرون إقامة حكومة سوفياتية على مستوى ولاية كيانغسي. وحاز هذا القرار على تأييد مطلق من الفلاحين الذين قاموا بدعم هذا البرنامج بقوّة واستعداد ممّا ساعدنا في الأشهر اللاحقة على سحق عمليّة جيوش الكومنتانغ التي كانت تستهدف إبادتنا".

(1)- تشينغكا نشان: هو حصن جبلي منيع كان يرتاده اللّصوص في الفترة السّابقة ويقع على الحدود الهونانيّة الكيانغسيّة.