فــــي عـــــام 1934 حوصر الجيب الرئيسي للثوار بقيادة ماوتسي تـــونغ في جنوب شرق مقاطعة جينانغ شي التي كانت تخضع للحكم الشيوعي. وشدد الجيش الوطني البالغ قوامه مليون جندي الخناق على الثوار. وكانت الطريقة الوحيدة أمام قوات ماو للنجاة هي الهرب من ذلك الجيب. وفي ليلة مظلمة من ليالي شهر أكتوبر عام 1934 تسلل 68 مقاتلا عبر صفوف الأعداء، ومن هناك انطلقت المسيرة الطويلة التاريخية.
ولقد شكل الثوار جيشا، وحكومة تسير على الاقدام. وكانوا يحملون معهم اطنانا من المعدات المكتبية، ومطبعة، وآلة تصوير بالاشعة السينية، وقوالب من الذهب، ونقودا معدنية. ولكن لم تكن معهم كاميرا تصوير سينمائي والصور الوحيدة التي وصلتنا لتلك المسيرة التاريخية بصنع صور فوتوغرافية قديمة غير واضحة، ولقطات لمجموعة من المقاتلين. ولهذا السبب لا يعرف الكثير عن تلك التجربة الفريدة.وقد بدأت مسيرة الثوار بسرية تامة حتى ان شيانغ لم يكتشف أمرها الا بعد مضي ثلاثة أسابيع. وحال اكتشاف طائرات الاستطلاع لموقع المسيرة، يبدأ قصفها بالقنابل والمدافع الآلية، وكانت الطريقة الوحيدة أمام الثوار لحماية انفسهم، هي الانتشار والبحث عن سواتر تقيهم من الضربات.
وفوق كل ذلك واجه الثوار العوائق الطبيعية، وهطول الأمطار الذي لا يتوقف الذي اتلف احذيتهم المصنوعة من الجريد. وان كان هطولها قد اوقف على الاقل طلعات الطائرات القاذفة، وكان الثوار يقطعون في المتوسط ما بين 25 إلى 30 ميلا في اليوم. وقد ارهقهم المشي المتواصل، واتلف احذيتهم التي استبدلوها بالخرق.
وكانت كل امرأة تحمل قدرا كبيرا للطهي وتناول الطعام، وغسل أرجلهن والجلوس عليه في المناطق الموحلة. وكان على المشاركين في المسيرة عبور سلسلة متتالية من الأنهار بواسطة جسور بدائية من القوارب والسلاسل. وكانت التيارات في بعض الأحيان قوية قد تجرف الحيوانات والحمالين. وقد فقد الثوار عند عبور أحد الأنهار تحت القصف المتواصل ثلاثين ألفا.وبعدها واجه الثوار عبور الهضبة التبتية بجبالها الثلجية الشهيرة التي يصل ارتفاعها إلى 14 ألف قدم. ولم يكن أمام الثوار بديل سوى تسلقها، وقد ظلوا يعانون من حالات الاغماء بسبب الارتفاع. وتلا ذلك محاولات عبور المناطق الصخرية الوعرة والمستنقعات ومناطق لا تعيش فيها أية حيوانات يمكن اكلها حتى جرذان الجبال. وشرعوا في ذبح البغال التي وفرت جلودها لهم فرصة صنع أحذية جديدة. كما بدأوا بعدها في غلي الأحذية في الماء لصنع الحساء، وخلط الحشائش مع الطحين لصنع الكعك.وفي الأيام ذات البرودة القاسية كانوا يجدون اثنين من الرفاق جالسين ساندين ظهريهما بعضهما الى بعض دون حراك وقد توفيا من شدة البرد. كما توفي 400 مقاتل على الاقل نتيجة الجوع.
وعلى الرغم من ذلك كان الانضباط متبعا بصورة مثالية في اوساط المشاركين في المسيرة، إذ بدلا من اللجوء إلى النهب والسلب في المناطق التي تمر عبرها المسيرة كان يفرض على المقاتلين دفع ثمن ما يأخذونه، واعادة أي شيء استعاروه، واصلاح كل ما أتلفوا أو خربوا من الممتلكات، والأمر الأكثر صرامة كان عدم ممارسة الجنس لان الحمل يعيق حركة المسيرة. وعلى الرغم من ذلك وقع المحظور، حيث انجبت العديد من النساء أثناء المسيرة، وكن يقمن بلف الجنين بالقماش وتركه في مسكن مهجور على ان يعدن إليه في وقت لاحق. وقد تمكنت واحدة منهن على الاقل من استعادة طفلتها التي اطلقت عليها اسم «المسيرة الطويلة وو».والتقى في نهاية المطاف الجيش الأول بقيادة ماو في شمال غرب البلاد مع الجيش الرابع الذي كان قد انطلق من الوسط.
---------------------------------------------------------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق