28‏/4‏/2020

عــــاشت اللّيـــنينيّــــة


   هذا النصّ نشره حزب الكادحين (تونس)  بمناسبة مرور مائة وخمسين عاما على  ولادة القائد البروليتاري لينين.  ضمّ النصّ كلمة تمهيديّة لحزب الكادحين  حول اهميّة اللّينينيّة والاحتفال بذكرى  ميلاد لينين وثلاثة نصوص  طويلية نشرها الحزب الشيوعي  بمناسبة الذكرى 90 لولادة لينين.

   كيف نُحيي ذكرى ميلاد لينـيــن ؟

  تمرّ هذا العام مائة وخمسون سنة على ميلاد لينين (ولد في 22 أفريل/ نيسان عام 1870 وتوفّي في 21 جانفي/ كانون الثاني عام 1924). وتمثّل هذه الذكرى مناسبة لطرح أسئلة مثل: ما هي اللينينية وهل لا تزال صالحة لعصرنا ؟ كيف ساهمت اللينينية في إلحاق الهزيمة بالانتهازية ؟ أية علاقة بين اللينينية والماوية.
  وحزب الكادحين، وهو يحيي هذه المناسبة، يدعو الرفيقات والرفاق في تونس والوطن العربي إلى تقوية التكوين النظري كما الدّعوة الى إيصال النظرية الثورية إلى المعنيين بها من العمّـــال والفلاحين والطلبة وغيرهم، بشرحها ومناقشتها حتى تتحوّل بهم ولأجلهم إلى قوّة مادية، مذكّرا أنّ اللينينية تمثل سلاحا هاما يجب الإمساك به دوما بقوة.
  لقد قال لينين عن الانتهازية: " إنّها تضحّي بالمصالح الأساسية من أجل مكاسب مؤقتة وجزئية " لذلك تستهين بالنظرية مكتفية برفع صور لينين وغيره من القادة العظام لتسقطها أثناء الممارسة، والمطلوب هو فضحها والتباين معها بإبراز أفكار لينين نفسها.
  ولهذا الغرض ننشر وثائق مهمة أنجزها الحزب الشيوعي الصيني بقيادة ماوتسي تونغ حول اللينينية لتكون موضوعا للدراسة والمناقشة.

  حزب الكــادحين
22 أفريـــل 2020

***********************
الوثيقة الأولى
عـــاشت اللّينــينيّة

  كُتبت إحياءً للذكرى التسعين لمولد لينين من طرف هيئة تحرير مجلة خونغتشى "العلم الأحمر" العدد الثامن، 16 أفريل / نيسان 1960، دار النشر باللغات الأجنبية – بيكين 1960.


- 1 -
  يصادف الثاني والعشرون من نيسان (أبريل) هذا العام الذكرى التسعين لمولد لينين. وقد شهد عام 1871، العام الذي تلا مولد لينين، الانتفاضة البطولية لكومونة باريس. لقد كانت كومونة باريس ثورة عظمى تصنع العصر وأوّل مسعى ذا أهمية عالميّة في محاولة البروليتاريا للإطاحة بالنظام الرأسمالي. وعندما كانت الكومونة على أبواب الهزيمة نتيجة هجوم أعداء الثورة الفرسايليّين قال ماركس: "إذا كانت الكومونة ستدمّر فمعنى ذلك أنّ النضال سيؤجّل فقط. إنّ مبادئ الكومونة خالدة لا تفنى وستعرض هذه المبادئ نفسها مرّة إثر مرّة حتى تتحرّر الطبقة العاملة"1.
  فما هي أعظم مبادئ الكومونة أهمّية؟ إنّه، طبقا لما قال ماركس، إنّ الطبقة العاملة لا تستطيع مجرّد الاستيلاء على جهاز الدولة القائم واستخدامه لأغراضها الخاصة. وبكلمة أخرى، إنّ على البروليتاريا ان تستخدم الأساليب الثوريّة للاستيلاء على سلطة الدولة وأن تسحق الجهاز العسكري والبيروقراطي للبرجوازية وتقيم ديكتاتورية البروليتاريا لتحلّ محلّ ديكتاتورية البرجوازية. وأيّ شخص ملمّ بتاريخ نضال البروليتاريا يعلم أنّ هذه المسألة الأساسيّة على وجه التحديد، هي التي تشكّل الخطّ الفاصل بين الماركسيين من جهة، والانتهازيّين والمحرّفين من جهة أخرى، وأنّه بعد وفاة ماركس وإنجلز لم يكن أحد سوى لينين من خاض نضالا لا يعرف المساومة أبدا ضد الانتهازيّين والمحرّفين من أجل الدفاع عن مبادئ الكومونة.
  إنّ القضية التي لم تنجح في كومونة باريس، قد انتصرت أخيرا بعد ستّة وأربعين عاما في ثورة أكتوبر العظمى تحت قيادة لينين المباشرة. وكانت تجربة السوفييتات الروسيّة استمرارا وتطوّرا لتجربة كومونة باريس. لقد أصبحت مبادئ الكومونة التي شرحها ماركس وإنجلز بصورة متواصلة، وأغناها لينين على ضوء التجربة الجديدة للثورة الروسيّة، واقعا حيّا لأوّل مرّة على سدس الكرة الأرضية. وكان ماركس صائبا تمام الصواب عندما قال إنّ مبادئ الكومونة خالدة لا تفنن.
  لقد قامت الذئاب الاستعماريّة، بالتواطؤ مع القوى الروسية المعادية للثورة في ذلك الوقت، بالتدخّل المسلّح ضد الدولة السوفياتية الفتيّة في محاولة لخنقها. ولكنّ الطبقة العاملة الروسية البطلة وشعوب مختلف قوميّات الاتّحاد السوفياتي طردت العصابات الأجنبيّة، وسحقت العصيان المعادي للثورة داخل البلاد، ووطّدت بذلك أوّل جمهورية اشتراكية عظمى في العالم.
  وتحت راية لينين، تحت راية ثورة أكتوبر، بدأت ثورة عالمية جديدة تلعب فيها الثورة البروليتارية الدور القيادي، وأطلّ عصر جديد في تاريخ الإنسانية. وعبر ثورة أكتوبر تردّدت بسرعة أصداء صوت لينين في جميع جنبات العالم. وجاءت حركة الرّابع من أيار (مايو) – جاءت كما وصفها الرفيق ماوتسي تونغ "تلبية لنداء الثورة العالمية في ذلك الوقت، ونداء الثورة الروسية ونداء لينين"2.
  إن ّ نداء لينين جبّار لأنّه صائب. ففي ظلّ الظروف التاريخية لعصر الاستعمار، كشف لينين عن سلسلة من الحقائق التي لا تدحض فيما يتعلّق بالثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا. لقد أشار لينين إلى أنّ أصحاب رأس المال الأوليغارشيّين في عدد قليل من الدول الرأسمالية القويّة، أي المستعمِرين، لا يستثمرون جماهير الشعب في بلدانهم فحسب، بل يضطهِدون وينهبون العالم أجمع، محوّلين معظم البلدان في العالم إلى مستعمرات وبلدان تابعة لهم. إنّ الحرب الاستعمارية هي استمرار للسياسات الاستعمارية. والحروب العالمية قد أشعلها المستعمِرون بسبب من جشعهم النهم للاستيلاء على الأسواق العالمية ومصادر المواد الخام وحقول الاستثمار ولإعادة تقسيم العالم. وطالما بقي الاستعمار الرأسمالي في العالم فستبقى مصادر وإمكانيّة الحرب قائمة. وعلى البروليتاريا أن ترشد جماهير الشعب لمعرفة مصادر الحرب وللنضال من أجل السلم وضد الاستعمار.
  لقد أكّد لينين أنّ الاستعمار هو رأسمالية احتكارية طفيليّة أو متعفّنة محتضرة، وأنّه المرحلة الأخيرة من مراحل تطوّر الرأسمالية، ولهذا فإنّه عشيّة الثورة البروليتارية. ويمكن الوصول إلى تحرّر البروليتاريا عن طريق الثورة فقط وليس عن طريق الإصلاح بالتأكيد. وعلى حركات تحرّر البروليتاريا في البلدان الرأسمالية أن تتحالف مع حركات التحرّر الوطني في المستعمرات والبلدان التابعة، وهذا التحالف يمكنه سحق تحالف المستعمِرين مع قوى الإقطاع والكمبرادور والرجعية في المستعمرات والبلدان التابعة، ولهذا فإنّه سيضع لا محالة حدّا نهائيّا للنظام الاستعماري في العالم أجمع.
  وعلى ضوء قانون التطوّر الاقتصاديّ والسياسي غير المتساوي للرأسمالية، توصّل لينين إلى أنّه بسبب أن الرأسماليّة تتطوّر بصورة غير متساوية إلى أقصى حدّ في مختلف البلدان، ستحقّق الاشتراكية النصر أوّلا في بلد واحد أو عدّة بلدان، ولكنّها لا تستطيع تحقيق النصر في جميع البلدان في آن واحد. ولهذا فعلى الرغم من انتصار الاشتراكية في بلد أو عدّة بلدان فستبقى البلدان الرأسماليّة الأخرى موجودة وسيكون هذا مبعثا لا للاحتكاك فقط، بل وللنشاطات الاستعمارية التخريبيّة ضد الدول الاشتراكية. ومن ثمّ سيكون النضال طويل الأمد. وسيستغرق النضال بين الاشتراكية والرأسمالية عصرا تاريخيّا بأكمله. وعلى البلدان الاشتراكية أن تحافظ على يقظة مستمرّة ضد خطر الهجوم الاستعماري وأن تبذل كلّ جهودها لاتّقاء هذا الخطر.
  إنّ المسألة الأساسيّة في جميع الثورات هي مسألة سلطة الدولة. فقد أظهر لينين بصورة شاملة ونفّاذة أنّ المسألة الأساسيّة في الثورة البروليتارية هي ديكتاتورية البروليتاريا. وديكتاتورية البروليتاريا التي تقام بواسطة سحق جهاز الدولة لديكتاتورية البرجوازية بالوسائل الثوريّة هي تحالف من نوع خاص بين البروليتاريا وبين الفلاّحين وجميع الشغّيلة الآخرين. إنّها استمرار للنضال الطبقي بشكل آخر في ظلّ ظروف جديدة، وهي تتضمّن نضالا دائبا، دمويّا وغير دموي، عنيفا وسلميّا، عسكريّا واقتصاديّا، ثقافيّا وإداريّا، ضد مقاومة الطبقات المستغِلّة، وضد العدوان الأجنبي وضد قوى وتقاليد المجتمع القديم. وبدون ديكتاتورية البروليتاريا، وبدون حشدها الشغّيلة حشدا تاما في هذه الجبهات لخوض هذه النضالات التي لا يمكن تجنّبها بعناد وإصرار، لا يمكن أن تكون هناك اشتراكية ولا يمكن أن يكون هناك انتصار للاشتراكية.
  لقد اعتبر لينين إنشاء البروليتاريا حزبها السياسي، حزبها الثوري الحقيقي الذي ينبذ الانتهازية نبذا تاما، أي حزبها الشيوعي، أمرا ذا أهمّية رئيسية إذا ما أريد للثورة البروليتارية أن تتحقّق ولديكتاتورية البروليتاريا أن تقام وتتوطّد. والحزب الشيوعي هذا متسلّح بنظرية المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية الماركسيّتين. وبرنامجه هو تنظيم البروليتاريا وجميع الشغيلة المضطهَدين من أجل النضال الطبقي وإقامة حكم البروليتاريا والمرور عبر الاشتراكية للوصول إلى الهدف النهائي وهو الشيوعية. وعلى هذا الحزب السياسي أن يرتبط بالجماهير ارتبطا وثيقا، ويعير أهمّية كبرى لمبادراتها الخلّاقة في صنع التاريخ، وعليه أن يعتمد بصورة وثيقة على الجماهير في الثورة، وكذلك في البناء الاشتراكي والشيوعي.
  لقد بيّن لينين باستمرار هذه الحقائق قبل وبعد ثورة أكتوبر. واعتبر الرجعيّون والسذّج الجهلة في العالم، في ذلك العصر، حقائق لينين هذه رهيبة، أمّا نحن فنرى هذه الحقائق تحرز النصر بعد النصر في الحياة العمليّة في العالم.
- 2 -
  وفي الأربعين عاما ونيف التي مرّت على ثورة أكتوبر طرأت تغيّرات جديدة هائلة على العالم.
  فقد حوّل الاتّحاد السوفياتي نفسه، عبر منجزاته العظمى في البناء الاشتراكي والشيوعي، من بلد متخلّف جدّا اقتصاديّا وتكنيكيّا أيّام روسيا القيصريّة إلى دولة ذات الدرجة الأولى من أعظم التكنولوجيا تقدّما في العالم كلّه. وخلّف الاتّحاد السوفياتي، بقفزاته الاقتصاديّة والتكنيكية، البلدان الأوربيّة الرأسمالية وراءه بعيدا، كما خلّف الولايات المتحدة وراءه أيضا في التكنولوجيا.
  وحطّم الانتصار العظيم في الحرب ضد الفاشست، هذه الحرب التي كان فيها الاتّحاد السوفياتي القوّة الرئيسية، سلسلة الاستعمار في أوروبا الوسطى والشرقية. وحطّم الانتصار العظيم للثورة الصينيّة الشعبيّة سلسلة الاستعمار على البرّ الصيني. ووُلدت مجموعة من البلدان الاشتراكية الجديدة. ويحتلّ كلّ المعسكر الاشتراكي الذي يقف على رأسه الاتّحاد السوفياتي ربع مساحة الأرض، ويبلغ عدد سكّانه أكثر من ثلث عدد سكّان العالم. وقد كوّن المعسكر الاشتراكي الآن نظاما اقتصاديّا عالميّا مستقلاّ مقابل النظام الاقتصاديّ العالمي الرأسمالي. وتبلغ قيمة مجمل الإنتاج الصناعي في البلدان الاشتراكية الآن ما يقارب أربعين بالمئة من القيمة العالمية، ولن يمرّ وقت طويل حتى تتخطّى هذه القيمة قيمة مجمل الإنتاج الصناعي في جميع البلدان الرأسمالية معًا.
  إنّ نظام الحكم الاستعماري الإمبريالي قد انهار، وهو في طريقه إلى الانهيار التام. وللنضال، بطبيعة الحال، منعرجاته ومنعطفاته، ولكن، على وجه العموم، تجتاح عاصفة حركات التحرّر الوطني قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية على نطاق متزايد يوميّا. وتتطوّر الأشياء نحو أضدادها: فالمستعمرون يسيرون خطوة فخطوة من القوّة إلى الضعف، بينما تسير الشعوب خطوة فخطوة من الضعف إلى القوّة.
  وقد انتهى منذ مدّة طويلة الاستقرار النسبي للرأسمالية الذي وُجد لوقت ما بعد الحرب العالمية الأولى. ومع تكوّن النظام الاقتصاديّ العالمي الاشتراكي بعد الحرب العالمية الثانية تقلّصت السوق العالمية الرأسمالية إلى حدّ كبير. وأصبح التناقض بين القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج في المجتمع الرأسمالي أكثر حدّة. ولم تعد الأزمات الاقتصاديّة الدوريّة للرأسمالية تأتي، كما كانت من قبل، مرّة كلّ عشر سنوات أو مثل ذلك، بل أصبحت حدث كلّ ثلاث أو أربع سنوات تقريبا. وقد اعترف مؤخّرا بعض ممثلي البرجوازية الأمريكية بأنّ الولايات المتحدة عانت من ثلاث "ردّات اقتصادية" في عشر سنوات، وأنّ لديهم الآن دلائل "ردّة اقتصادية" جديدة بعد أن تخلّصوا لتوهّم من ردّة عامي 1957- 1958. إنّ قصر الفترة الدوريّة بين الأزمات الاقتصاديّة الرأسماليّة هوظاهرة جديدة، إنّه دلالة أخرى على أنّ النظام الرأسمالي العالمي يقترب أكثر فأكثر من فنائه المحتوم.
  أمّا عدم التساوي في تطوّر البلدان الرأسمالية فهو أسوأ ممّا مضى. ومع انحصار المستعمِرين في منطقة نفوذهم المتقلّصة وتزاحمهم في هذه الرقعة الضيّقة، يقوم الاستعمار الأمريكي، باستمرار، باغتصاب الأسواق ومناطق النفوذ من المستعمِرين البريطانيّين والفرنسيّين والمستعمِرين الآخرين. وقد ظلّت البلدان الاستعمارية، وفي طليعتها الولايات المتّحدة، تقوم بتوسيع نطاق التسلّح والاستعدادات الحربيّة منذ أكثر من عشر سنوات، في الوقت الذي نهضت فيه العسكريّتان: الألمانيّة الغربيّة واليابانيّة، اللتان هُزمتا في الحرب العالمية الثانية – نهضتا، مرّة أخرى، بمساعدة عدوّهما السابق: الاستعمار الأمريكي. ويتشدّق من جديد مستعمرو هذين البلدين الذين قدموا لينضمّوا إلى المتزاحمين حول السوق العالمية الرأسماليّة، عن "صداقتهم التقليديّة" وينهمكون في نشاطات جديدة لإنشاء ما يدعى "محور بون- طوكيو" مع واشنطن كنقطة بداية ". وبدأ الاستعمار الألماني الغربي يتطلّع بصفاقة حوله بحثا عن قواعد عسكريّة في الخارج. وهذا ما يشدّد النزاعات الحادّة داخل الاستعمار، ويزيد في نفس الوقت من الخطر على المعسكر الاشتراكي وجميع البلدان المحبة للسلام. والوضع الرّاهن يشبه إلى حدّ كبير جدّا الوضع بعد الحرب العالمية الأولى، عندما رعى المستعمِرون الأمريكيون والبريطانيون انبعاث العسكريّة الألمانية، وستكون النتيجة مرّة أخرى "التقاطهم الصخرة لإسقاطها على أقدامهم". إنّ خلق المستعمرين الأمريكيين التوتّر العالمي بعد الحرب العالمية الثانية هو إشارة لا إلى قوّتهم بل إلى ضعفهم، وهو يعكس، على وجه التحديد، عدم الاستقرار الذي لم يسبق له مثيل في النظام الرأسمالي.
  إنّ المستعمِرين الأمريكيِّين، من أجل تحقيق مطمعهم في الاستئثار بالسيطرة على العالم، لا يلجأون فقط، وبصورة مستشرية، إلى جميع أنواع الهدم والتخريب ضد البلدان الاشتراكية، بل يلجأون ايضا، تحت ستار مقاومة "الخطر الشيوعي" إلى حشد قواعدهم العسكرية في جميع أنحاء العالم، واغتصاب المناطق الوسطيّة، والقيام بالاستفزازات العسكرية، قائمين بالدور الذي حدّدوه لأنفسهم، دور دركي العالم، الذي يتولّى قمع الثورة في مختلف البلدان. وكالجرذ يركض عبر الشارع بينما يصرخ الكلّ "اِرموه بأي شيء" يتلقّى المستعمِرون الأمريكيون في كلّ مكان الضربات واللكمات، وعلى عكس ما يهدفون، يثيرون في كلّ مكان نهوضا جديدا في نضال الشعوب الثوري. وقد أصبحوا الآن، هم أنفسهم، يحسّون بأنّ "نفوذ الولايات المتّحدة كدولة كبيرة في العالم يتردّى" على النقيض من الازدهار المتزايد في العالم الاشتراكي الذي يقف على رأسه الاتّحاد السوفياتي. ويمكن للمرء أن يرى عندهم "انحطاط وسقوط روما القديمة فقط".
  وتدلّ التغيّرات التي طرأت على العالم في الأربعين عاما ونيف الماضية، على أنّ الاستعمار يتداعى كلّ يوم، بينما تسير الاشتراكية أحسن فأحسن كلّ يوم. إنّه عصر عظيم جديد ذاك الذي يواجهنا اليوم، وميزته الأساسيّة أنّ قوى الاشتراكية تخطّت قوى الاستعمار وأنّ قوى يقظة الشعوب في العالم تخطّت قوى الرجعية.
  من الواضح أنّ الوضع العالمي الرّاهن قد مرّ بتغيّرات هائلة منذ زمن لينين، ولكن هذه التغيّرات لم تبرهن على أنّ اللينينيّة قد فات أوانها، بل على العكس، أكّدت بوضوح، أكثر فأكثر، الحقائق التي كشفها لينين وجميع النظريّات التي قدّمها أثناء النضال من أجل الدفاع عن الماركسية الثوريّة ولتطوير الماركسيّة.
  وفي الظروف التاريخيّة لعصر الاستعمار والثورة البروليتارية، تقدّم لينين بالماركسية إلى مرحلة جديدة، وأبان لجميع الطبقات والشعوب المضطهَدة الطريق الذي تستطيع عبره أن تتخلّص حقّا من واقع عبوديّة الاستعمار الرأسمالي والفقر.
  لقد كانت هذه الأعوام الأربعون هي أعوام انتصار اللينينية في العالم، أعوام شقّت فيها اللينينيّة طريقها بشكل أعمق إلى قلوب شعوب العالم. ولم تحرز اللينينيّة، وتتابع إحراز الانتصارات العظيمة في البلدان التي أنشىء فيها النظام الاشتراكي فحسب، بل إنّها تحقّق انتصارات جديدة باستمرار أيضا في نضالات جميع الشعوب المضطهَدة.
  إنّ انتصار اللينينيّة قد هلّلت له شعوب العالم أجمع، وفي نفس الوقت لا يمكن إلاّ أن يستثير حقد المستعمِرين وجميع الرجعيَين. وقد شنّ المستعمِرون، لإضعاف نفوذ اللينينيّة وشلّ الإرادة الثوريّة للجماهير الشعبيّة، أشدّ الهجمات والافتراءات بربرية وحقارة ضد اللينينيّة، وأكثر من ذلك، اشتروا واستغلّوا المتذبذبين والمرتدّين داخل الحركة العمّالية، ووجّهوا هؤلاء لتشويه وتمييع تعاليم لينين. وعند نهاية القرن التاسع عشر، عندما هزمت الماركسية مختلف الاتّجاهات المعادية لها، وانتشرت باتّساع في الحركة العمّالية، واحتلّت مكان الصدارة، قام المحرّفون الذين كان يمثّلهم برنشتين بتحريف تعاليم ماركس تلبية لحاجات البرجوازية. والآن حيث أرشدت اللينينية الطبقة العاملة وجميع الطبقات والأمم المضطهَدة في العالم، في المسيرة ضد الاستعمار وجميع أنواع الرجعيين، وأحرزت انتصارات كبرى، قام المحرّفون المعاصرون الذين يمثّلهم تيتوبتحريف تعاليم لينين (أي التعاليم الماركسية العصرية)، تلبية لحاجات المستعمِرين. وكما أشار البيان الذي صدر عن اجتماع ممثّلي الأحزاب الشيوعية والعمّالية في البلدان الاشتراكية الذي عقد في موسكو في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1957، فإنّ "وجود التأثير البرجوازي هو مصدر داخلي للتحريفية بينما مصدرها الخارجي هو الاستسلام للضغط الاستعماري". وبينما حاولت التحريفيّة القديمة في ذلك العهد أن تثبت أنّ الماركسيّة أصبحت لا تلائم العصر، فإنّ التحريفية المعاصرة تحاول إثبات أنّ اللينينية أصبحت لا تلائم العصر. لقد جاء في بيان اجتماع موسكو:
 " تسعى التحريفية المعاصرة للطعن في التعاليم العظمى للماركسية - اللينينية، وتزعم أنّها "غير ملائمة للعصر"، كأنّها فقدت الآن أهمّيتها بالنسبة للتقدّم الاجتماعي. ويحاول المحرّفون بكلّ جهدهم إفساد الروح الثوريّة للماركسيّة وتخريب الإيمان بالاشتراكية بين الطبقة العاملة والشغّيلة".
  لقد وضعت هذه الفقرة من البيان الأمور في نصابها، وهذا هو الوضع تماما. فهل التعاليم الماركسية – اللينينية قد أصبحت الآن "غير ملائمة للعصر؟" وهل التعاليم المتكاملة كلّها التي أتى بها لينين حول الاستعمار وحول الثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا وحول الحرب والسلم، وحول بناء الاشتراكية والشيوعية ما زالت تحتفظ بحيويّتها الدافقة؟ وإذا كانت ما تزال صالحة وتحتفظ بحيويّتها الدافقة فهل ينطبق هذا على جزء معيّن منها أو عليها كلّها؟ لقد اعتدنا أن نقول إنّ اللينينيّة هي ماركسيّة عصر الاستعمار والثورة البروليتارية، ماركسية عصر انتصار الاشتراكية والشيوعية، فهل ما يزال هذا الرأي صحيحا؟ وهل يمكن القول إنّ استنتاجات لينين الأصليّة وما اعتدنا أن نعتقده حول اللينينية قد فقد صحّته وصوابه، ولهذا فعلينا أن نرتدّ على أعقابنا ونقبل هذه الاستنتاجات التحريفيّة الانتهازية التي مزّقها لينين منذ مدّة طويلة شذر مذر، والتي أفلست بصورة مشينة في الحياة الواقعية؟ إنّ هذه الأسئلة موضوعة الآن أمامنا ويجب الإجابة عليها. وعلى الماركسيين – اللينينيين أن يفضحوا تماما سخافات المستعمِرين والمحرّفين المعاصرين حول هذه المسائل، ويستأصلوا نفوذهم من بين الجماهير، ويوقظوا أولئك الذين خدعوا مؤقّتا، ويزيدوا من مضاء العزيمة الثورية لدى الجماهير الشعبية.
- 3 -
إنّ المستعمِرين الأمريكيين والممثّلين المكشوفين للبرجوازية في بلدان كثيرة، والمحرّفين المعاصرين الذين تمثّلهم طغمة تيتو، والديمقراطيّين الاجتماعيّين اليمينيّين يعملون كلّ ما يستطيعون لرسم صورة مشوّهة كلّيا للوضع العالمي المعاصر في محاولة لتأكيد هذيانهم حول "أنّ الماركسية أصبحت غير ملائمة للعصر" و"أنّ اللينينية اصبحت أيضا غير ملائمة للعصر" وذلك لتضليل شعوب العالم.
  لقد أشار تيتو في خطاب ألقاه في نهاية العام الماضي، بصورة متكرّرة، إلى ما يدعوه المحرّفون المعاصرون بـ "العصر الجديد" فقال: "لقد دخل العالم اليوم عصرا جديدا تستطيع فيه الأمم أن تأخذ راحة، وأن تكرّس نفسها باطمئنان لمهام البناء الداخلي فيها". وأضاف "لقد دخلنا عصرا وضعت فيه مسائل جديدة في جدول الأعمال، ليست مسائل حرب وسلم بل مسائل تعاون في الحقول الاقتصاديّة والحقول الأخرى. وعندما يكون التعاون الاقتصاديّ معنيّا فهناك أيضا مسألة المباراة الاقتصاديّة "3.
  إنّ هذا المرتدّ يشطب تماما مسألة التناقضات الطبقية والنضال الطبقي في العالم، في محاولة لنفي التفسير الثابت للماركسيين- اللينينيين بأنّ عصرنا هو عصر الاستعمار والثورة البروليتارية، عصر انتصار الاشتراكية والشيوعية.
ولكن ما هو الوضع الحقيقي في العالم؟ هل تستطيع الشعوب المستثمَرة والمضطهَدة في البلدان الاستعمارية أن "تأخذ راحة"؟ هل تستطيع شعوب جميع المستعمرات وأشباه المستعمرات التي مازالت تحت نير الاضطهاد الاستعماري أن "تأخذ راحة"؟ وهل أصبح التدخّل المسلّح الذي قاده المستعمِرون الأمريكيون في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية "ساكنا"؟ وهل هناك "هدوء" في مضائق تايوان؟ وهل هناك "هدوء" في القارّة الأفريقيّة في الوقت الذي يتعرّض فيه شعب الجزائر وشعوب أجزاء أخرى عديدة من أفريقيا للقمع المسلّح من جانب المستعمِرين الفرنسيّين والبريطانيين والمستعمِرين الآخرين؟ وهل هناك "هدوء" في أمريكا اللاتينية في الوقت الذي يحاول فيه المستعمِرون الأمريكيون تحطيم ثورة الشعب في كوبا بوسائل القذف بالقنابل والاغتيالات والتخريب؟
  وما نوع " لبناء" الذي يعنيه القول "تكرّس نفسها لمهام البناء الداخلي"؟ يعلم الجميع أنّ هناك أنواعا مختلفة من البلدان في العالم اليوم، وبصورة رئيسية هناك نوعان من البلدان ذوا نظامين اجتماعيين مختلفين بصورة أساسيّة من حيث طبيعتهما: النوع الأوّل يتبع النظام العالمي الاشتراكي، والآخر يتبع النظام العالمي الرأسمالي. فهل الذي يشير إليه تيتو هو "البناء الداخلي" لتوسيع التسلّح الذي يقوم به المستعمِرون من أجل اضطهاد شعوب بلدانهم والعالم أجمع؟ أم هذا "البناء الداخلي" الذي تقوم به الاشتراكية من أجل تعزيز سعادة الشعوب، وتلمّسا لسلم عالمي أبدي؟
وهل مسألة الحرب والسلم لم تعد مسألة بعد الآن؟ هل المسألة أنّ الاستعمار لم يعد قائما وأنّ نظام الاستغلال لم يعد قائما ولهذا فمسألة الحرب لم تعد قائمة؟ أو ندع الاستعمار ونظام الاستغلال يعيشان أبدا ومن ثمّ لا يمكن أن تكون هناك مسألة حرب؟ الحقيقة أنّ الحرب ظلّت مستمرّة منذ الحرب العالمية الثانية. فهل الحروب الاستعماريّة لقمع حركات التحرّر الوطني، والحروب الاستعماريّة للتدخّل المسلّح ضد الثورات في عدّة بلدان لا تعدّ حروبا؟ وحتى مع أنّها لم تتطوّر إلى حروب عالمية، فهل لا تعدّ هذه الحروب المحليّة حروبا؟ وحتى مع أنّها لم تستخدم فيها الأسلحة النوويّة فهل لا تعدّ الحروب التي يستخدم فيها ما يدعى بالأسلحة التقليديّة حروبا؟ وهل تخصيص المستعمِرين الأمريكيين نحوا من ستين بالمئة من ميزانية عام 1960 لتوسيع التسلّح والاستعدادات الحربيّة لا يعدّ سياسة تعطّش للحرب من جانب الاستعمار الأمريكي؟ وهل لا تواجه البشرية بخطر حرب كبرى جديدة بإنعاش العسكريتين في ألمانيا الغربية واليابان؟
  وما نوع "التعاون" المقصود هنا؟ هل هو "تعاون" شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات مع المستعمرين لحماية الاستعمار؟ هل هو "تعاون" البلدان الاشتراكية مع البلدان الرأسمالية لحماية النظام الاستعماري في اضطهاده شعوب البلدان الرأسمالية وقمع حروب التحرّر الوطني؟
  بكلمة واحدة، إنّ مزاعم المحرّفين المعاصرين حول ما يدعى بـ "العصر" هي تحدّيات عديدة للينينيّة فيما يتعلّق بالقضايا الآنفة الذكر. إنّ هدفهم هو طمس التناقضات بين الجماهير الشعبية والطبقة البرجوازية الاحتكارية في البلدان الاستعمارية، وطمس التناقض بين الشعوب المستعمَرة وشبه المستعمَرة وبين المعتدين الاستعماريين والتناقض بين النظام الاشتراكي والنظام الاستعماري، والتناقض بين الشعوب المحبّة للسلام في العالم والكتلة الاستعماريّة المتعطّشة للحرب.
  لقد قيلت أقوال مختلفة في تمييز مختلف "العصور". وعموما هناك قول هو مجّرد ثرثرة وهراء ويقوم على تلفيق كلمات غامضة مبهمة، والتلاعب بها للتستّر على جوهر العصر، وهذه هي الحيلة القديمة للمستعمِرين والبرجوازيين والمحرّفين في الحركة العمّالية. وهناك قول آخر هو تحليل الظروف الخاصة بالوضع الشامل للتناقضات الطبقية والنضال الطبقي تحليلا محدّدا، ووضع التعاريف العلميّة بصورة دقيقة، ممّا يضع جوهر العصر أمام الأضواء بصورة كاملة، إن هذا هو عمل كلّ ماركسي جدّي.
  وحول الخصائص التي تميّز عصرا ما قال لينين :
  "...نحن نتكلّم هنا عن العصور التاريخية الكبرى، ففي كلّ عصر كان هناك، وسيكون هناك، حركات منفصلة جزئية إلى الأمام أحيانا وإلى الوراء أحيانا أخرى، وكانت هناك، وستكون هناك، انحرافات مختلفة عن النوع العادي والسرعة العادية للحركات. ونحن لا نستطيع أن نعرف سرعة تطوّر ومدى نجاح بعض الحركات التاريخيّة في عصر ما، ولكنّنا نستطيع أن نعرف، وأن نعرف حقّ المعرفة، أيّ الطبقات تحتلّ المكانة الرئيسية في هذا العصر أو ذاك، وتقرّر محتواه الرئيسي والاتّجاه الرئيسي لتطوّره، والميزات الرئيسية للوضع التاريخي في ذلك العصر إلخ. وعلى هذا الأساس فقط، أي باعتبار، أوّلا وقبل كلّ شيء، الخصائص الأساسيّة المميّزة "لعصور" مختلفة (وليس أحداثا منفردة في تاريخ بلدان منفردة) نستطيع رسم تكتيكاتنا بصورة صحيحة4.
  إنّ مسألة العصر هي كما يشير لينين هنا، مسألة ما هي الطبقة التي تحتلّ المكانة الرئيسية فيه وتقرّر فيه محتواه الأساسي واتّجاهه الرئيسي في التطوّر. ولم يتخلّ لينين أبدا ولو للحظة واحدة، إخلاصا منه للديالكتيك الماركسي، عن موقف تحليل علاقات الطبقات. وكان يعتقد بأنّ "الماركسية تقدر "المصالح"عن طريق التناقضات الطبقية والنضالات الطبقية التي تعرض نفسها في ملايين الحقائق في الحياة اليومية"5. ويعتقد لينين "انّ أسلوب ماركس يتضمّن، قبل كلّ شيء الأخذ بعين الاعتبار المحتوى الموضوعي للعمليّة التاريخيّة في اللحظة المحدّدة، وفي الوضع المحدّد، لأجل إدراك، قبل كلّ شيء، ما هي الطبقة التي يمكن أن تشكّل حركتها قوّة محرّكة رئيسيّة للتقدّم الاجتماعي في هذا الوضع المحدّد"6.
  وطالب لينين دائما بأن نتفحّص الطريق المحدّد للتطوّر التاريخي على أساس التحليل الطبقي بدلا من التحدّث بصورة غامضة عن "المجتمع عموما"، أو "التقدّم عموما". وعلينا نحن الماركسيّين أن لا نضع السياسة البروليتاريّة على أساس مجرّد بعض الأحداث العابرة أو التغيّرات السياسيّة الدقيقة، بل على أساس الوضع الشامل للتناقضات الطبقية والنضالات الطبقية في عصر تاريخي بأكمله. إنّ هذا موقف نظري اساسي للماركسيين. وعن طريق الوقوف موقفا حازما حول هذه المسألة توصّل لينين، في الفترة الجديدة من التغيّرات الطبقية، في الفترة التاريخية الجديدة، إلى أنّ أمل الإنسانية يكمن كلّيا في انتصار البروليتاريا، وأنّ على البروليتاريا أن تعدّ نفسها لإحراز النصر في هذه المعركة الثورية الكبرى وأن تقيم ديكتاتورية البروليتاريا. وبعد ثورة أكتوبر، وفي المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي (البلشفيك) عام 1918 صرّح لينين: "علينا أن نبدأ بالأساس العام لتطوّر إنتاج السلع والانتقال إلى الرأسمالية وتحوّل الرأسمالية إلى الاستعمار، وبذلك نحتلّ ونوطّد، نظريّا، الموقع الذي سوف لا يحاول أحد، لم يخن الاشتراكية، أن يزحزحنا عنه. وفي الوقت نفسه يمكننا من هذا أن نتوصّل إلى استنتاج مساوفي حتميته وهو: إنّ عصر الثورة الاجتماعية قد بدأ ". هذا هو استنتاج لينين، وإنّه استنتاج لم يزل حتى الآن يتطلّب بحثا عميقا من جانب جميع الماركسيين.
  إنّ نظرية الماركسيين الثوريين بأنّ عصرنا هو عصر الاستعمار والثورة البروليتارية، عصر انتصار الاشتراكية والشيوعية، هي نظرية لا يمكن تفنيدها، لأنّها تستحوذ بصورة صائبة تماما على الخصائص الأساسيّة لعصرنا العظيم الراهن. والنظريّة القائلة بأنّ اللينينيّة هي استمرار وتطوّر للماركسيّة الثوريّة في هذا العصر العظيم، وبأنّها نظرية وسياسة الثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا، هي أيضا نظرية لا يمكن تفنيدها، لأنّ اللينينية، على وجه التحديد، هي التي كشفت عن التناقضات في عصرنا العظيم: التناقضات بين الطبقة العاملة ورأس المال الاحتكاري، التناقضات بين البلدان الاستعمارية ذاتها، التناقضات بين الشعوب المستعمَرة وشبه المستعمَرة من جانب، والاستعمار من جانب آخر، التناقضات بين البلدان الاشتراكية حيث انتصرت البروليتاريا من جانب، والبلدان الاستعمارية من جانب آخر. ولهذا فقد أصبحت اللينينيّة راية انتصارنا. ولكن على العكس من هذه السلسلة من نظريّات الماركسيّة الثوريّة، لم يعد في الواقع فيما يدعوه التيتويّون بـ "العصر الجديد" استعمار ولا ثورة بروليتارية، ناهيك عن نظرية وسياسة الثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا. وباختصار، فإنّ نقاط التمركز الأساسي للتناقضات الطبقيّة والنضالات الطبقية في عصرنا غير مرئية أبدا بالنسبة إليهم، كما أنّ المسائل الأساسيّة في اللينينيّة مفقودة لديهم وليست هناك أية لينينية.
  ويزعم المحرّفون المعاصرون أن "النظريّات القديمة" لماركس ولينين لم تعد قابلة للتطبيق فيما يدعونه بـ "نحن لسنا جامدين عقائديّا، فماركس ولينين لم يتنبّآ بالصاروخ يصل القمر ولا بالقنابل الذرّية ولا بالتقدّم التكنيكي الكبير" 7 إنّهم ليسوا جامدين عقائديّا، هذا جميل، ومن الذي يريدهم أن يكونوا جامدين عقائديّا؟ ولكن الإنسان يستطيع مقاومة الجمود العقائدي للدفاع عن الماركسية - اللينينية أو يستطيع، في الحقيقة، أن يقاوم الماركسية - اللينينية باسم مقاومة الجمود العقائدي. وإنّ التيتويّين هم من الفئة الأخيرة. وهناك أشخاص يحملون آراء غير صحيحة حول مسألة أثر التقدّم العلمي والتكنولوجي على التطوّر الاجتماعي، وذلك بسبب أنّهم غير قادرين على معالجة المسألة من وجهة النظر الماديّة التاريخيّة، وهذا أمر يمكن إدراكه، ولكنّ المحرّفين المعاصرين يخلقون عن عمد الارتباك حول هذه المسالة في محاولة يائسة لاستخدام تقدّم العلوم والتكنولوجيا لإلقاء الماركسية – اللينينية في مهبّ الرّياح.
  لقد كانت منجزات الاتّحاد السوفياتي، في السنوات القليلة الماضية، في حقلي العلوم والتكنولوجيا، المنجزات الأولى في العالم. والمنجزات السوفياتيّة هي حصيلة ثورة أكتوبر الكبرى. وهذه المنجزات البارزة تدلّ على بداية عصر جديد في غزو الإنسان للطبيعة، وهي، في الوقت نفسه، تلعب دورا هاما جدّا في الدفاع عن سلام العالم. ولكن، في الظروف الجديدة التي جلبها تطوّر التكنولوجيا الحديثة، هل تزعزع الجهاز النظري للماركسية – اللينينية كما يقول تيتو بسبب "وصول الصاروخ إلى القمر، والقنابل الذرّية والتقدم التكنيكي الكبير" الأمور التي "لم يتنبّأ بها" ماركس ولينين؟ وهل يمكن القول إنّ النظرة الماركسيّة -اللينينية للعالم، والنظرة الاجتماعية التاريخية، والنظرة الأخلاقيّة والمعتقدات الأساسيّة الأخرى قد أصبحت، لذلك، ما يدعونه "عقائد جامدة" بالية، ومن ثمّ فإنّ قانون النضال الطبقي لم يعد قائما؟ إنّ ماركس ولينين لم يعيشا حتى يومنا هذا، وبطبيعة الحال لم يستطيعا رؤية بعض التفصيلات المعيّنة للتقدّم التكنولوجي في عالم اليوم، ولكن ماذا ينبئ، على وجه التحديد، تطوّر العلوم الطبيعيّة وتقدّم التكنولوجيا بالنسبة للنظام الرأسمالي؟ لقد اعتقد ماركس ولينين بأنّ هذا ينبئ فقط بثورة اجتماعية جديدة، ولكنّه لا ينبئ بالتأكيد باضمحلال الثورة الاجتماعية.
  ونحن نعلم أن كلاّ من ماركس ولينين ابتهج بالاكتشافات الجديدة والتقدّم في العلوم الطبيعية والتكنولوجيا في غزو الطبيعة، وقال إنجلز في "الخطاب على قبر ماركس":
" لقد كان العلم في نظر ماركس قوّة ثوريّة محرّكة تاريخيّا. ومهما كان كبيرا الابتهاج الذي يستقبل به أي اكتشاف جديد في أيّ علم من العلوم النظرية، حتى الاكتشافات التي ربّما كان تطبيقها العملي مستحيل التصوّر بعد، فإنّه كان بنوع آخر تماما من البهجة عندما يتضمّن الاكتشاف تأثيرات ثوريّة فوريّة في الصناعة وفي التطوّر التاريخي عموما ". وأضاف إنجلز: "يجب أن نعلم أنّ ماركس كان ثوريّا قبل كلّ شيء". إنّ هذا قول جدّ جيد! لقد نظر ماركس دائما إلى جميع الاكتشافات الجديدة في غزو الطبيعة من وجهة نظر الثوري البروليتاري، وليس من وجهة نظر من يعتقد بأنّ الثورة البروليتارية ستضمحلّ.
 وكتب ولهالم ليبكنخت في مقاله "ذكريات عن ماركس: "لقد هزأّ ماركس بالقوى الرجعية الأوروبية المنتصرة التي تخيّلت أنّها خنقت الثورة، ولم يخطر ببالها أنّ العلوم الطبيعيّة كانت تعدّ ثورة جديدة. وإنّ الملك – البخار الذي أدخل العالم في ثورة في القرن السابق يقترب اليوم من نهاية حكمه، وأنّ هناك قوّة ثورية أعظم بصورة لا تقارن ستحلّ محله، وهي شرارة الكهرباء.
 "...إنّ نتائج هذا الأمر لا يمكن التنبؤ بها. والثورة الاقتصاديّة تتلوها حتما ثورة سياسية حيث أنّ الأخيرة ليست إلاّ تعبيرا عن الأولى.
  "إنّ ماركس حين بحث تقدّم العلوم والميكانيكا، عبّر بوضوح عن نظرته للعالم، وبوجه خاص عمّا يسمّى الآن بالنظرة الماديّة للتاريخ، لدرجة أنّ بعض الشكوك التي كانت ما تزال تراودني في ذلك الوقت قد ذابت ذوبان الثلج تحت شمس الربيع".
  هكذا شعر ماركس بأنفاس الثورة في تقدّم العلوم والتكنولوجيا. وكان ماركس يعتقد أن التقدّم الجديد في العلوم والتكنولوجيا سيؤدى إلى ثورة اجتماعية تطيح بالنظام الرأسمالي. إنّ تقدّم العلوم الطبيعية والتكنولوجيا، في نظر ماركس، يعزّز أكثر فأكثر موقف النظرة الماركسية للعالم بأكملها والنظرة الماديّة للتاريخ، وهو بالتأكيد، لا يزعزعه، وإنّ تقدّم العلوم الطبيعية والتكنولوجيا يعزّز مركز الثورة البروليتارية وكفاح الأمم المضطهَدة ضد الاستعمار أكثر فأكثر، وهو بالتأكيد، لا يضعفه.
ونظر لينين أيضا، مثله مثل ماركس، إلى التقدّم التكنولوجي على أنّه مرتبط بمسألة الثورة في النظام الاجتماعي. وهكذا اعتقد لينين "أنّ عصر البخار هو عصر البرجوازية وعصر الكهرباء هو عصر الاشتراكية"8. ولنلاحظ هنا الفارق بين روح ماركس ولينين الثوريّة هذه وبين الموقف المشين للمحرّفين المعاصرين في خيانة الثورة !
  إنّ في المجتمع الطبقي، وفي عصر الاستعمار، ليس بإمكان الماركسيين – اللينينيين إلاّ أن يعالجوا، دائما، مسألة تطوّر واستخدام التكنولوجيا من وجهة نظر التحليل الطبقي. وبما أنّ النظام الاشتراكي تقدّميّ ويمثّل مصالح الشعب، فإنّ البلدان الاشتراكية تريد استخدام مثل هذا التكنيك الجديد كالطاقة الذرّية والصواريخ لخدمة البناء الداخلي السلمي وغزو الطبيعة. وكلّما سيطرت البلدان الاشتراكية على قدر أكبر من مثل هذا التكنيك الجديد، وكلما طوّرته بسرعة، كان تحقيقها لهدف التطوّر العالي السرعة لقوى الإنتاج الاجتماعيّة من أجل تلبية حاجات الشعب أفضل، وزادت في الوقت نفسه من تعزيز قوى ردع الحرب الاستعمارية ومن إمكانية الدفاع عن السلام العالمي. ولهذا فعلى البلدان الاشتراكية، من أجل مصلحة شعوبها ولمصلحة سلام شعوب العالم أجمع، أن تسيطر أكثر فأكثر، حيث كان ذلك ممكنا، على مثل هذه التكنيكات الجديدة التي تخدم مصلحة الشعوب. وفي الوقت الحاضر، يحتلّ الاتّحاد السوفياتي الاشتراكي، بصورة واضحة، المكانة العليا في تطوير التكنيكات الجديدة. ويعلم الكلّ أنّ الصاروخ الذي هبط على القمر قد أطلق من قبل الاتّحاد السوفياتي وليس من قبل الولايات المتّحدة – البلد الأكثر تطوّرا في الرأسمالية. وهذا يظهر أنّه، في البلدان الاشتراكية فقط، يمكن أن توجد آفاق غير محدودة للتطوّر الواسع النطاق للتكنيكات الجديدة.
  وعلى العكس، بسبب أنّ النظام الاستعماري رجعي وضد الشعب، تريد الدول الاستعمارية استخدام مثل هذه التكنيكات الجديدة للأغراض العسكرية، أغراض العدوان على البلدان الأجنبيّة والتهويل على شعوبها نفسها، ولصنع السلاح من أجل تذبيح بنى الإنسان. إنّ ظهور مثل هذه التكنيكات الجديدة، بالنسبة للدول الاستعمارية، يعني فقط دفع التناقضات بين تطوّر القوى المنتجة الاجتماعية وعلاقات الإنتاج الرأسمالية إلى مرحلة أكثر حدّة، إن ّما يجلبه هذا ليس بصورة من الصور تخليد الرأسمالية، بل المزيد من شحذ ثورة الشعوب في تلك البلدان وتدمير النظام الرأسمالي القديم الإجرامي الذي يقوم على أكل لحوم البشر ليس إلاّ.
  ويستخدم المستعمِرون الأمريكيون وشركاؤهم أسلحة مثل القنابل الذرّية للتهديد بالحرب ولاعتصار العالم كلّه، وهم يعلنون أنّ كلّ من لا يخضع لسيطرة الاستعمار الأمريكي سيدمّر. وتردّد طغمة تيتو  هذا اللحن فتستخدم اللحن الاستعماري الأمريكي لنشر الفزع من الحرب الذرّية بين الجماهير الشعبيّة. ويستطيع الخداع الاستعماري الأمريكي وتطبيل طغمة تيتو أن يضلّلا، مؤقتا فقط، أولئك الذين لا يدركون الوضع الحقيقي، ولكنّهما لا يستطيعان إرهاب الشعوب التي استيقظت. وحتى أولئك الذين لا يدركون، حتى الآن، الوضع الحقيقي فإنّهم سيدركون تدريجيّا ذلك الوضع بمساعدة العناصر المتقدّمة.
  لقد اعتقد الماركسيون – اللينينيون دائما أنّه، في تاريخ العالم، ليس التكنيك بل الإنسان، جماهير الشعب، هي التي تقرّر مصير البشريّة. وكانت هناك نظريّة سارية لوقت ما بين بعض الناس في الصين قبل وخلال حرب مقاومة العدوان الياباني تعرف بنظرية "السلاح يعني كلّ شيء". تزعم هذه النظرية أن أسلحة اليابان كانت جديدة وتكنيكها متقدّما، بينما كانت أسلحة الصين قديمة وتكنيكها متأخّرا، فاستنتجوا من ذلك ان "الصين ستخضع لا محالة". وقد فنّد الرفيق ماوتسي تونغ في كتابه "حول الحرب طويلة الأمد" الذي نشر في ذلك الوقت، مثل هذا الهراء، وقدّم التحليل التالي: "إنّ حرب المستعمِرين اليابانيين العدوانيّة ضد الصين مصيرها الفشل لأنّها رجعيّة، غير عادلة، وحيث أنّها غير عادلة فهي لا تحظى بالتأييد، أمّا حرب المقاومة التي يخوضها الشعب الصيني ضد اليابان فستنتصر بالتأكيد لأنّها تقدّمية، عادلة، وحيث أنّها عادلة فهي تحظى بتأييد وافر. وأشار الرفيق ماوتسى تونغ إلى أن أوفر مصدر للقوّة في الحرب يكمن في الجماهير، وأنّ جيشا شعبيّا تنظمه جماهير مستيقظة متّحدة من الشعب هو جيش لا يقهر في جميع انحاء العالم. إنّ هذا تحليل ماركسي لينيني. وماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت النتيجة أن التحليل الماركسي اللينيني انتصر وهزمت "نظرية الخضوع" ومثيلاتها في نهاية الأمر. وخلال الحرب الكوريّة، بعد الحرب العالمية الثانية، أثبت انتصار الشعبين الكوري والصيني على المعتدين الأمريكيين، المتفوّقين كثيرا في الأسلحة والعتاد، صحّة هذا التحليل الماركسي اللينيني مرّة أخرى.
  إنّ الشعب الواعي يجد دائما طرقا جديدة للردّ على تفوّق الرجعيين في السلاح ولإحراز النصر. لقد كان هذا صحيحا في التاريخ الماضي، وهو كذلك في الوقت الحاضر، وسيبقى كذلك في المستقبل. وبسبب أنّ الاتّحاد السوفياتي الاشتراكي قد أحرز التفوّق في التكنيك العسكري وأنّ المستعمِرين الأمريكيين قد فقدوا بذلك احتكارهم للأسلحة الذرّية والنوويّة، ونتيجة ليقظة شعوب العالم وشعب الولايات المتحدة نفسها في الوقت ذاته، فإنّ ثمة في العالم الآن إمكانية عقد مثل هذه الاتّفاقيّة. وخلافا للمستعمِرين المتعطّشين للحرب، تقف البلدان الاشتراكية والشعوب المحبّة للسلام في العالم أجمع بنشاط وحزم من أجل تحريم وتدمير الأسلحة الذرّية والنوويّة. إنّنا نناضل دائما ضد الحرب الاستعماريّة ومن أجل تحريم الأسلحة الذرّية والنوويّة وللدفاع عن سلام العالم. وكلّما اتّسع وتعمّق هذا النضال، وكلّما كان فضح الوجوه الفظيعة للمستعمِرين الأمريكيين والمستعمرين الآخرين المتعطّشين للحرب تاما وشاملا، كنّا قادرين على عزل هؤلاء المستعمرين عن شعوب العالم، وازدادت إمكانية غلّ أيديهم وأرجلهم، وكان الوضع أفضل بالنسبة لقضية السلام العالمي وعلى العكس، إذا فقدنا يقظتنا ضد خطر شنّ المستعمرين للحرب، وإذا لم نعمل لإثارة شعوب مختلف البلدان للنهوض ضدّ الاستعمار، بل غللنا أيدي الشعوب وأرجلها، فسيستطيع الاستعمار الاستعداد للحرب كما يحلو له. وستكون النتيجة الحتميّة زيادة شنّ المستعمِرين للحرب، وعندما تنشب الحرب ربّما لن تكون الشعوب قادرة على اتّخاذ موقف صحيح بسرعة إزاءها بسبب الافتقار التام، أو غير الكافي، للاستعداد، وهكذا تكون غير قادرة على ردع الحرب بقوّة. وبطبيعة الحال، لا يمكننا نحن تقرير ما إذا كان المستعمِرون سيشنّون حربا أم لا. إنّنا، على كلّ حال، لسنا رؤساء أركان حرب للمستعمِرين. وما دامت شعوب جميع البلدان ترفع وعيها وتستعدّ استعدادا تاما، مع تملّك المعسكر الاشتراكي أيضا للأسلحة الحديثة، فإنّ النتيجة ستكون حتما الدمار السريع جدّا للمستعمِرين الوحوش الذين تطوّقهم شعوب العالم، ولن تكون النتيجة، بالتأكيد، إبادة الجنس البشري، وذلك إذا رفض المستعمِرون الأمريكيون أو المستعمِرون الآخرون الوصول إلى اتّفاقيّة حول تحريم الأسلحة الذرّية والنوويّة، وجرؤوا على معاندة إرادة الإنسانية كلّها بشنّ حرب يستخدمون فيها السلاح الذرّي والنووي. إنّنا نقاوم بثبات شنّ حروب إجرامية من جانب المستعمرين، لأنّ الحرب الاستعماريّة تفرض ضحايا هائلة على شعوب مختلف البلدان (بما فيها شعوب الولايات المتحدة والبلدان الاستعماريّة الأخرى). ولكن إذا فرض المستعمِرون مثل هذه التضحيات على شعوب مختلف البلدان، فإنّنا نعتقد، تماما كما أظهرت تجربة الثورة الروسية والثورة الصينية، أنّ مثل هذه التضحيات ستعوّض. فعلى أنقاض الاستعمار الميّت، ستخلق الشعوب الظافرة، بسرعة كبيرة جدّا، حضارة أرقى ألف مرّة من حضارة النظام الرأسمالي، ومستقبلا جميلا حقّا لنفسها.
  ولا يكون الاستنتاج إلاّ كما يلي فقط: كيفما نظرنا إلى الأمر، فلن نجد شيئا من التكنيكات الجديدة مثل الطاقة الذرّية والصواريخ وهلمجرّا قد غيّر، كما يزعم المحرّفون المعاصرون، الخصائص الأساسيّة لعصر الاستعمار والثورة البروليتارية الذي أشار إليه لينين. ولن يسقط نظام الاستعمار الرأسمالي من تلقاء نفسه بالتأكيد، بل سيطاح به من قبل ثورة البروليتاريا داخل البلد الاستعماري المعني، ومن قبل الثورة الوطنية في المستعمرات وأشباه المستعمرات. ولا يستطيع التقدّم التكنولوجي المعاصر إنقاذ نظام الاستعمار الرأسمالي من الفناء، بل هو يقرع فقط ناقوسا جديدا مؤذنا بوفاته.
- 4 -
ويحاول المحرّفون المعاصرون، منطلقين من استنتاجهم السخيف حول الوضع العالمي المعاصر، ومن استنتاجهم السخيف حول ما يزعمون من أن النظرية الماركسية – اللينينية للتحليل الطبقي والنضال الطبقي قد فات أوانها، الإطاحة كلّيا بالنظريات الأساسية للماركسية – اللينينية حول سلسلة من المسائل مثل العنف، والحرب، والتعايش السلمي وهكذا.
   وهناك أيضا بعض الناس ليسوا محرّفين بل حسنو النيّة، يريدون مخلصين أن يكونوا ماركسيّين، ولكنّهم يرتبكون أمام بعض الظواهر التاريخية الجديدة، وهكذا يحملون بعض الأفكار غير الصائبة، فبعضهم يقول مثلا، إنّ فشل سياسة المستعمرين الأمريكيين في الخداع الذرّي يدلّ على نهاية العنف، وفي الوقت الذي نفنّد فيه تفنيدا تامّا سخافات المحرّفين المعاصرين علينا أيضا أن نساعد ذوي النيّة الحسنة هؤلاء على تصحيح أفكارهم الخاطئة.
  ما هو العنف ؟ لقد قال لينين الكثير حول المسألة في كتابه "الدولة والثورة". إنّ ظهور ووجود الدولة بحدّ ذاته هو نوع من أنواع العنف. لقد أورد لينين التوضيح التالي الذي جاء به إنجلز: "تُألّف هذه السلطة لا من مجرد رجال مسلّحين، بل ومن ملحقات ماديّة كالسجون والمؤسسات القسريّة من جميع الأنواع. "
  ويعلّمنا لينين أنّ علينا أن نرسم خطّا مميّزا بين نوعين من أنواع الدولة يختلفان في طبيعتهما: دولة ديكتاتورية البرجوازية ودولة ديكتاتورية البروليتاريا، وبين نوعين من العنف يختلفان في طبيعتهما: العنف المعادي للثورة والعنف الثوري، فطالما كان هناك عنف معاد للثورة فمن المحتّم أن يكون هناك عنف ثوري لمقاومته. ومن المستحيل سحق العنف المعادي للثورة بدون عنف ثوري. إنّ الدولة التي تمسك بزمام السلطة فيها الطبقات المستغِلّة هي عنف معاد للثورة، هي قوة خاصة لقمع الطبقات المستغَلة لمصلحة الطبقات المستغِلة. وقبل أن يمتلك المستعمِرون قنابل ذريّة وأسلحة صاروخية، ومنذ أن امتلكوا هذه الأسلحة الجديدة، كانت الدولة الاستعماريّة دائما قوّة خاصة لقمع البروليتاريا في الداخل وشعوب مستعمراتها وأشباه مستعمراتها في الخارج، وكانت دائما مؤسسة للعنف على هذا الشكل، وحتى لو أجبر المستعمِرون على عدم استخدام هذه الأسلحة الجديدة فستبقى الدولة الاستعماريّة، بطبيعة الحال، مؤسّسة استعمارية للعنف طالما لم يطح بها ولم تستبدل بدولة شعبيّة، بدولة ديكتاتورية البروليتاريا في ذلك البلد.
   ولم تكن هناك أبدا منذ فجر التاريخ مثل هذه القوى الواسعة النطاق، قوى العنف هذه البالغة غاية الشرّ والفظاعة، التي يمتلكها المستعمِرون الرأسماليون في الوقت الحاضر. وخلال السنوات العشر والنيف الماضية، اتّبع المستعمِرون الأمريكيون، دون أيّة مبالاة، وسائل اضطهاد أوحش مئة مرّة من تلك التي اتّبعت من قبل دائسين أفضل أبناء الطبقة العاملة، والشعب الزنجي وجميع التقدّميين في البلاد وظلّوا يعلنون بطيش، زيادة على ذلك، أنّهم ينوون وضع العالم أجمع تحت حكمهم الذي يقوم على العنف. وهم يوسّعون، باستمرار، قوى عنفهم، ويشترك، في الوقت نفسه، المستعمِرون الآخرون أيضا في السباق لزيادة قوى العنف الذي يمارسونه.
   إنّ الجهاز العسكري المتضخّم للبلدان الاستعماريّة، وفي طليعتها الولايات المتّحدة، قد ظهر أثناء الأزمة العامة الخطيرة التي ألمّت بالرأسمالية بشكل لم يسبق له مثيل. وكلّما قام المستعمِرون بتوسيع قواتهم العسكرية حتى القمّة، وبصورة محمومة، اقتربوا من نهايتهم. وقد أصبح الآن لدى حتى بعض ممثّلي الاستعمار الأمريكي دلائل على الفناء الحتمي للنظام الرأسمالي. ولكن هل يضع المستعمِرون بأنفسهم حدّا لعنفهم؟ وهل يتخلّى أولئك الذين يمسكون بزمام السلطة في البلدان الاستعماريّة، بطيب خاطر، عن العنف الذي أقاموه، بسبب أن الاستعمار يقترب من ملاقاة حتفه؟ وهل يمكن القول إنّ المستعمِرين، بالقياس إلى الماضي لم يعودوا مدمنين على العنف، أو أنّ هناك انخفاضا في درجة إدمانهم؟
لقد أجاب لينين على مثل هذه الأسئلة في عدّة مناسبات منذ مدّة طويلة. فقد أشار في كتابه "الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية" : "...يحاول الاستعمار دائما وبكلّ جهوده، في الناحية السياسية أن يلجأ إلى العنف والرجعية". وبعد ثورة أكتوبر أشار لينين في كتابه "ثورة البروليتاريا والمرتدّ كاوتسكي" إشارة خاصة إلى حوادث التاريخ مقارنا الفروق بين الرأسمالية قبل مرحلة الاحتكار وبين رأسمالية الاحتكار، أي الاستعمار، فقال : "كانت الرأسمالية قبل مرحلة الاحتكار، (التي وصلت أوجها في السبعينات من القرن التاسع عشر) بسبب خواصها الاقتصاديّ ة الأساسية (التي كانت أكثر تميّزا في أنكلترا وأمريكا) متميّزة بارتباطها النسبيّ بالسلم والحرّية. أمّا الاستعمار، أي الرأسمالية الاحتكارية التي نضجت أخيرا في القرن العشرين فقط، فإنّه متميّز بأقلّ ارتبط بالسلم والحرّية وبأعظم تطوّر وأشمله للعسكرية في كلّ مكان بسبب خواصه الاقتصاديّة الأساسية ".
   لقد تفوّه لينين بهذه الكلمات في الفترة الأولى من ثورة أكتوبر بطبيعة الحال، عندما كانت دولة البروليتاريا قد وُلدت حديثا، وعندما كانت قواها الاقتصاديّ ة ما تزال فتيّة وضعيفة، وقد طرأت، بعد انقضاء أربعين عاما ونيف، تغيّرات هائلة على وجه الدولة السوفياتية ذاتها وعلى وجه العالم أجمع كما ذكرنا سابقا. والآن، هل يمكن القول إنّ طبيعة الاستعمار قد تغيّرت بسبب بأس الاتّحاد السوفياتي وقوى الاشتراكية وقوى السلام، وإن الرأي السابق للينين قد فات أوانه نتيجة لذلك، أو إنّ الاستعمار، مع أنّ طبيعته لم تتغيّر، لم يعد يلجأ إلى العنف؟ وهل تتّفق هذه الأفكار مع الوضع الحقيقي؟
   لقد أحرز النظام العالمي الاشتراكي، بصورة واضحة، اليد العليا في صراعه مع النظام العالمي الرأسمالي. ولقد أضعفت هذه الحقيقة التاريخية العظمى مكانة عنف الاستعمار في العالم بأسره. ولكن هل تجعل هذه الحقيقة المستعمِرين يقلعون منذ اليوم عن اضطهاد شعوب بلدانهم مرّة أخرى، وعن الانهماك في النشاطات التوسعية العدوانية في الخارج مرّة أخرى وإلى الأبد؟ وهل تستطيع أن تجعل الأوساط المتعطّشة للحرب بين المستعمِرين " تلقى سكين الجزار" و"تبيع سكاكينها وتشتري الثيران"؟ هل تستطيع أن تجعل مجموعات تجار الذخائر الحربيّة في البلدان الاستعماريّة يغيّرون مهنتهم ويتحوّلون إلى مزاولة مهن السّلم؟
   إنّ هذه المسائل جميعها تعترض كلّ ماركسي – لينيني جدّي وتتطلّب منه بحثا عميقا. ومن الواضح أن النظر إلى هذه المسائل ومعالجتها بصورة صحيحة أو غير صحيحة مسألة لها ارتبط وثيق بنجاح أو فشل قضيّة البروليتاريا ومصير الإنسانية في العالم أجمع.
   إنّ الحرب هي أكثر أشكال التعبير عن العنف حدّة. وأحد أنواعها هو الحرب الأهليّة، والنوع الآخر منها هو الحرب الخارجية. والعنف لا يعبّر عنه دائما بالحرب، وهي أكثر أشكاله حدّة، ففي البلدان الرأسمالية تكون الحرب البرجوازية امتدادا لسياسة البرجوازية في الأوقات العادية، بينما يكون السلم البرجوازي امتدادا لسياسة البرجوازية زمن الحرب. والبرجوازيون يروحون ويجيئون دائما بين الشكلين، الحرب والسلم، فاستمرارهم في حكم الشعب ومن أجل نضالهم الخارجي. ففي الوقت الذي يسمّى وقت سلم، يعتمد المستعمِرون على القوّة المسلّحة لمعاملة الطبقات والأمم المضطهّدة بأشكال من العنف مثل الاعتقال والسجن والحكم بالأشغال الشاقة والتذبيح إلخ... بينما يقومون في الوقت ذاته باستعدادات لاستخدام أكثر أشكال العنف حدّة - الحرب - لقمع ثورة الشعب في الداخل، ولممارسة النهب في الخارج، وللتغلّب على المنافسين الأجانب، ولكبح الثورات في البلدان الأخرى، أو يلجأون في وقت واحد إلى السلم في الداخل وإلى الحرب في الخارج.
   وفي الفترة الأولى من ثورة أكتوبر لجأت الدول الاستعماريّة إلى العنف بشكل الحرب ضد الاتّحاد السوفياتي – الأمر الذي كان استمرارا لسياساتها الاستعماريّة. وفي الحرب العالميّة الثانية استخدم المستعمِرون الألمان العنف بشكل حرب واسعة النطاق لمهاجمة الاتّحاد السوفياتي – الأمر الذي كان استمرارا لسياستهم الاستعماريّة. ولكن المستعمِرين يقيمون من جهة أخرى أيضا علاقات دبلوماسية للتعايش السلمي مع الاتّحاد السوفياتي في فترات مختلفة، الأمر الذي هو أيضا بطبيعة الحال استمرار للسياسة الاستعماريّة بشكل آخر في ظلّ ظروف معيّنة.
   حقّا لقد ظهرت الآن بعض المسائل الجديدة تتعلّق بالتعايش السلمي. فأمام الاتّحاد السوفياتي الجبّار والمعسكر الاشتراكي الجبّار، لا بدّ للمستعمِرين، على أيّة حال، أن ينظروا بعناية فيما إذا كانوا سيعجّلون بفنائهم، كما فعل هتلر، أو يجلبون أوخم العواقب للنظام الرأسمالي نفسه إذا هم هاجموا الاتّحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى.
" التعايش السلمي" – هذه فكرة جديدة ظهرت فقط بعد ظهور البلدان الاشتراكية في العالم إثر ثورة أكتوبر، إنّها فكرة جديدة تكون في ظلّ ظروف تنبّأ بها لينين قبل ثورة أكتوبر عندما قال:
"لا تستطيع الاشتراكية تحقيق النصر في جميع البلدان في آن واحد، إنّها ستحقّق النصر أوّلا في بلد أو عدّة بلدان، بينما ستبقى البلدان الأخرى لبعض الوقت برجوازية أوفي مرحلة ما قبل البرجوازية"9.
   هذه الفكرة الجديدة، فكرة تقدّم بها لينين بعد تغلّب الشعب السوفياتي العظيم على التدخّل الاستعمار ي المسلّح. وكما أشرنا آنفا، لم يكن المستعمِرون في البداية راغبين في التعايش سلميّا مع الاتّحاد السوفياتي. لقد أجبر المستعمرون على " التعايش " مع الاتّحاد السوفياتي فقط بعد أن فشلت حرب التدخّل ضدّه، وبعد أن مضت عدّة سنوات من اختبار القوّة واقعيّا، وبعد أن غرست الدولة السوفياتية أقدامها راسخة في الأرض، وبعد أن ظهر بعض توازن القوى بين الدولة السوفياتية والبلدان الاستعماريّة. قال لينين عام 1920: "لقد كسبنا ظروفا لأنفسنا نستطيع فيها أن نعيش جنبا إلى جنب مع الدول الرأسمالية القويّة التي أجبرت الآن على الدخول في علاقات تجارية معنا"10.
   ومن هذا نرى أن تحقيق اوّل دولة اشتراكية في العالم التعايش السلمي لفترة معيّنة بينها وبين الاستعمار قد تمّ إحرازه كلّيا عن طريق النضال. وقبل الحرب العالمية الثانية كانت فترة 1920 – 1940، قبل هجوم المانيا على الاتّحاد السوفياتي، فترة تعايش سلمي بين الاستعمار والاتّحاد السوفياتي. وخلال هذه العشرين عاما بقي الاتّحاد السوفياتي مخلصا للتعايش السلمي. ولكن هتلر، عام 1941، لم يعد راغبا في التعايش سلميّا مع الاتّحاد السوفياتي، وشنّ المستعمِرون الألمان بغدر هجوما وحشيّا على الاتّحاد السوفياتي. ونظرا للنصر في الحرب ضد الفاشست التي كان الاتّحاد السوفياتي العظيم القوّة الأساسية فيها، فقد رأي العالم، مرّة أخرى، وضعا من التعايش السلمي بين البلدان الاشتراكية والرأسمالية. ومع ذلك لم يتخلّ المستعمِرون عن مكائدهم. فقد أنشأ المستعمِرون الأمريكيّون شبكات من القواعد العسكرية وقواعد القذائف الموجّهة في كل مكان حول الاتّحاد السوفياتي والمعسكر الاشتراكي كلّه. وما زالوا حتى الآن يحتلّون أرضنا تايوان ويقومون، باستمرار، باستفزازات عسكرية ضدّنا في مضائق تايوان. وقد قاموا بالتدخّل المسلّح في كوريا مشعلين حربا واسعة النطاق ضد الشعبين الكوري والصيني على الأرض الكورية، لم تنتج عنها اتّفاقيّة الهدنة إلاّ بعد أن هزموا، ولكنّهم ما زالوا حتى الآن يتدخّلون في مسألة توحيد الشعب الكوري. وقدّموا الأسلحة معونة لقوات الاحتلال الفرنسية الاستعماريّة في حربها ضد الشعب الفيتنامي، وما زالوا حتى الآن يتدخّلون في مسالة توحيد الشعب الفيتنامي. ودبّروا العصيان المعادي للثورة في هنغاريا وما زالوا حتى الآن يقومون باستمرار بجميع انواع المحاولات للتخريب في بلدان أوربا الشرقية الاشتراكية والبلدان الاشتراكية الأخرى. إنّ الحقائق ما زالت تماما كما قدّمها لينين إلى مراسل أمريكي في شباط (فبراير) عام 1920 بقوله: "حول مسألة السلم لا يوجد أي عائق من جانبنا. إنّ العائق هو استعمار الرأسماليين الأمريكيين والآخرين جميعهم"11.
   إنّ السياسة الخارجية للبلدان الاشتراكية لا يمكن أن تكون إلاّ سياسة سلم. والنظام الاشتراكي يقرّر أنّنا لا نحتاج للحرب، ولن نشعل حربا إطلاقا، ولن نسمح لأنفسنا أبدا، ولا يجوز إطلاقا، كما لا يمكن، أن نعتدي على بوصة واحدة من أراضي بلد مجاور. لقد تمسّكت جمهورية الصين الشعبية باستمرار، منذ وجودها، بسياسة خارجية سلميّة. ووضعت بلادنا، مع بلدين مجاورين: الهند وبورما، المبادئ الخمسة المعروفة للتعايش السلمي، وأقرّت بلادنا، في مؤتمر باندونغ عام 1955 مع مختلف البلدان الآسيوية والأفريقية، المبادئ العشرة للتعايش السلمي. وأيّد الحزب الشيوعي والحكومة في بلادنا ن باستمرار، في السنوات القليلة الماضية، نشاطات النضال من أجل السلم التي قامت بها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتّحاد السوفياتي والحكومة السوفياتية برئاسة الرفيق نيكيتا خروتشوف، اعتبارا منهما بأنّ هذه النشاطات من جانب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي والحكومة السوفياتية قد دلّلت أكثر لشعوب العالم على رسوخ السياسة الخارجية السلمية للبلدان الاشتراكية، وعلى حاجة الشعوب لإيقاف المستعمِرين عن شنّ حرب عالمية أخرى، وللنضال من أجل سلم عالمي دائم.
   وقد نصّ بيان مؤتمر موسكو عام 1957 على ما يلي :
" إنّ الذي يصون قضية السلم هو هذه القوى الجبّارة لعصرنا : معسكر البلدان الاشتراكية الذي لا يقهر، وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي ؛ وبلدان آسيا وأفريقيا الشغوفة بالسلم والتي تأخذ موقفا معاديا للاستعمار وتشكّل سويّة مع البلدان الاشتراكية منطقة سلم واسعة ؛ والطبقة العاملة العالمية، وفوق كلّ شيء طليعتها – الأحزاب الشيوعية ؛ وحركة تحرّر شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات ؛ وحركة السلم الجماهيرية لشعوب العالم. إنّ القوى التي تقاوم بحزم مشاريع حرب جديدة هي، إلى جانب القوى المذكورة آنفا، شعوب البلدان الأوروبية التي أعلنت الحياد، وشعوب اميركا اللاتينية، والجماهير الشعبية في البلدان الاستعماريّة. وإنّ تحالف هذه القوى الجبارة يستطيع منع الحرب ".
   وطالما كان هناك تطوير مستمرّ لهذه القوى الجبّارة فمن الممكن المحافظة على وضع التعايش السلمي، أو حتى الحصول على بعض انواع الاتّفاقيات الرسمية حول التعايش السلمي أو عقد اتّفاقيّة حول حظر الأسلحة الذرّية والنوويّة. وهذا سيكون شيئا ممتازا يتّفق تماما مع مطامح شعوب العالم. ولكن، حتى في ظلّ هذه الظروف، طالما لم يزل النظام الاستعمار ي قائما، فإنّ أكثر اشكال العنف حدّة، أي الحرب، لم تنته من العالم بصورة من الصورة. إنّ الحقيقة ليست كما يصفها المحرّفون اليوغسلافيون الذين يعلنون أن تعريف لينين بأنّ " الحرب استمرار للسياسة " وهو التعريف الذي أوضحه لينين بصورة متكرّرة وتمسك به في محاربته للانتهازية، قد فات أوانه 12 إنّنا نؤمن بالصواب المطلق لتفكير لينين: الحرب هي النتيجة الحتميّة لنظم الاستغلال، ومصدر الحروب الحديثة هو النظام الاستعماري. وحتى ينتهي النظام الاستعمار ي والطبقات المستغِلة ستحدث حروب، من نوع أو آخر، دائما. وربّما كانت حروبا بين المستعِمرين والأمم المضطهَدة، أو حروبا أهليّة نتيجة الثورة ومعاداة الثورة بين الطبقات المستغَلة والمستغِلة في البلدان الاستعماريّة، ويحتمل، بطبيعة الحال، أن تكون حروبا يهاجم فيها المستعمِرون البلدان الاشتراكية وتكون فيها البلدان الاشتراكية مجبرة على الدفاع عن نفسها. إنّ جميع أنواع الحروب هذه تمثّل استمرارا لسياسة طبقات معينة: وعلى الماركسيين – اللينينيين أن لا يغرقوا إطلاقا في حمأة المسالمة البرجوازية، ولا ينبغي لهم إلاّ أن يقدروا جميع أنواع الحروب هذه بإتباع أسلوب التحليل الطبقي المادي. وطبقا لذلك يستخلصون الاستنتاجات للسياسة البروليتارية. وقد وصف لينين هذه الحروب في مقاله "المنهاج العسكري للثورة البروليتارية" فقال: "إنّه لمن الخطّأ الفادح، نظريّا، أن ننسى أنّ كلّ حرب ليست إلاّ استمرارا للسياسة بوسائل أخرى".
وللمستعمِرين دائما نوعان من التكتيك من أجل تحقيق هدفهم في النهب والاضطهاد : تكتيكات الحرب وتكتيكات "السلم"، ولهذا، فعلى البروليتاريا والشعوب في جميع البلدان أن تستخدم أيضا نوعين من التكتيك للردّ على المستعمرين : تكتيك فضح خدعة السلم الاستعماريّة فضحا تامّا، والنضال بصورة فعّالة من أجل سلم عالمي حقيقي، وتكتيك الاستعداد لاستخدام الحرب العادلة لوضع حدّ للحرب الاستعماريّة غير العادلة عندما يشنّها المستعمِرون.
   وجملة القول أنّه، لمصلحة شعوب العالم، يجب علينا أن نحطّم تماما سخافات التحريفية المعاصرة ونتمسّك بوجهة النظر الماركسية - اللينينية حول مسائل العنف، والحرب، والتعايش السلمي.
   وينكر المحرّفون اليوغسلافيون الصفة الطبقية الملازمة للعنف وبهذا يطمسون الفروق الأساسيّة بين العنف الثوري والعنف المعادي للثورة، وينكرون الصفة الطبقية الملازمة للحرب وبهذا يطمسون الفروق الأساسية بين الحرب العادلة وغير العادلة، وينكرون أنّ الحرب الاستعماريّة استمرار للسياسات الاستعماريّة، وينكرون خطر شنّ المستعمِرين لحرب كبرى أخرى، وينكرون أن من الممكن القضاء على الحرب فقط بعد القضاء على الطبقات المستغِلّة، وحتى انّهم يدعون، دون خجل، المسؤول الاستعماري الأمريكي الأوّل - "أيزنهاور- "الرجل الذي وضع حجر الزاوية للقضاء على الحرب الباردة وإقامة سلم دائم مع المباراة السلمية بين مختلف النظم السياسية"13 وينكرون أنّه، في ظلّ ظروف التعايش السلمي، ما تزال هناك نضالات معقّدة حادّة في الميادين السياسة والاقتصاديّ ة والإيديولوجية وغيرها. إنّ كلّ هذا الجدل من جانب المحرّفين اليوغسلافيين يهدف إلى تسميم عقول البروليتاريا والشعوب في مختلف البلدان، وهو يساعد السياسة الاستعماريّة الحربيّة.
- 5 -
   إنّ المحرّفين المعاصرين خلطوا السياسة الخارجية السلميّة للبلدان الاشتراكية بالسياسة الداخلية للبروليتاريا في البلدان الرأسمالية. وهم يعتقدون لذلك أنّ التعايش السلمي بين البلدان ذات النظم الاجتماعية المختلفة يعنى انّ الرأسمالية يمكن أن تتقدّم سلميّا إلى الاشتراكية وأنّ البروليتاريا في البلدان التي تحكمها البرجوازية يمكن أن تتخلّى عن النضال الطبقي وتدخل في "تعاون سلمي" مع البرجوازيين والمستعمرين، وأنّ البروليتاريا وجميع الطبقات المستغلّة أن تنسى حقيقة انّها تعيش في مجتمع طبقي وهكذا. إنّ جميع هذه الآراء على طرفي نقيض أيضا مع الماركسية – اللينينية. إنّهم يهدفون حماية الحكم الاستعمار ي وإبقاء البروليتاريا وكلّ الشغيلة الآخرين تحت عبوديّة الرأسمالية إلى الأبد.
   إنّ التعايش السلمي بين الأمم، والثورات الشعبيّة في مختلف البلدان هما شيئان مختلفان بذاتهما، وليسا شيئا واحدا بذاته، وهما مضمونان مختلفان وليسا ضمونا واحدا، ونوعان مختلفان من المسائل وليسا نوعا بذاته.
   فالتعايش السلمي مسألة تتعلّق بالعلاقات بين البلدان، والثورة تعنى الإطاحة بالمضطهَدين كطبقة من قبل الشعب المضطهَد داخل كلّ بلد، بينما هي في حالة البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة، أوّلا وقبل كلّ شيء، مسألة الإطاحة بالمضطهِدين الأجانب أي المستعمِرين. وقبل ثورة أكتوبر لم تكن مسألة التعايش السلمي بين البلدان الاشتراكية والبلدان الرأسمالية قائمة في العالم، حيث لم تكن هناك بلدان اشتراكية بعد، بل كانت هناك، في ذلك الوقت، مسائل الثورة البروليتارية والثورة الوطنية، حيث أنّ شعوب مختلف البلدان، وفقا لظروفها الخاصة، وضعت، منذ مدّة طويلة، الثورات من هذا النوع او ذلك في جدول أعمالها لتقرير مصائر بلدانها.
   إنّنا ماركسيون – لينينيون، وقد آمنّا دائما بأنّ الثورة هي من شؤون كلّ أمّة بذاتها. واعتقدنا دائما بأنّ الطبقة العاملة تستطيع أن تعتمد فقط على نفسها في تحرّرها، وبأنّ تحرّر شعب أي بلد يعتمد على وعيه هو، وعلى نضوج الثورة في ذلك البلد. والثورة لا يمكن تصديرها ولا استيرادها. ولا يستطيع أحد أن يمنع شعب بلد أجنبيّ من القيام بثورة، كما لا يستطيع أحد خلق ثورة في بلد أجنبيّ باستخدام اسلوب "مساعدة شتول الرز على النمو بسحبها إلى أعلى ". لقد كان لينين على صواب عندما قال في حزيران (يونيو) عام 1918:" هناك أناس يعتقدون أنّ الثورة يمكن أن تنشب في بلد أجنبي حسب الطلب أو بموجب اتّفاقيّة. إنّ هؤلاء الناس إمّا مجانين أو دسّاسين. لقد خبرنا ثورتين في الإثني عشر عاما الماضية. ونحن نعلم أنّ الثورات لا يمكن أن تصنع حسب الطلب أو بموجب اتّفاقيّة، فهي لا تحدث إلاّ عندما تتوصّل عشرات الملايين من الشعب إلى أنّها من المستحيل أن تعيش بالطريقة القديمة بعد ذلك"14.
   ألا تعتبر تجربة الثورة الصينية، بالإضافة إلى تجربة الثورة الروسيّة، من أفضل البراهين على ذلك؟ لقد جرّب الشعب الصيني، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، عدّة ثورات. وزعم المستعمِرون وجميع الرجعيِّين دائما، مثلهم مثل المجانين، أنّ ثوراتنا كانت بناء على طلب من الخارج أو وفقا لاتّفاقيات أجنبيّة. ولكن الشعوب في العالم أجمع تعلم أن ثوراتنا لم تستورد من الخارج، بل حدثت لأنّ جماهير شعبنا لم تستطع أن تواصل العيش في الصين القديمة. ولأنّ شعبنا أراد أن يخلق حياة جديدة لنفسه.
   إذا اضطرّ بلد اشتراكي، أمام هجوم استعماريين إلى شنّ حرب دفاعية وهجمات مضادة وتخطى حدوده لمطاردة أعدائه من الخارج والقضاء عليهم كما فعل الاتّحاد السوفياتي في الحرب ضد هتلر، فهل يمكن تبرير ذلك؟ يمكن ذلك بالتأكيد، فهو أمر ضروري إطلاقا وعادل تماما. وطبقا لمبادئ الشيوعيّين الصارمة، فإنّ مثل هذه العمليّات من جانب البلدان الاشتراكية يجب أن تكون مقصورة، بصورة حازمة، على الوقت الذي يشنّ فيه المستعمِرون حربا عدوانيّة ضد تلك البلدان. والبلدان الاشتراكية لا تسمح لنفسها أبدا، ولا يجوز لها مطلقا، كما لا يمكنها أبدا إرسال قواتها عبر حدودها ما لم تتعرّض لعدوان من عدو خارجي. وحيث أنّ القوات المسلّحة للبلدان الاشتراكية تحارب من أجل العدالة، فهي عندما تضطرّ إلى تخطىّ حدودها للردّ على هجوم عدو أجنبي، فسيصبح لها تأثير بالطبع، وستكون فعّالة حيثما ذهبت، ولكن حتى في ذلك الوقت، فإنّ ظهور الثورات الشعبيّة وإقامة النظام الاشتراكي في الأماكن والبلدان التي تذهب إليها، ما يزال يعتمد فقط على إرادة جماهير الشعب هناك.
   إنّ انتشار الأفكار الثوريّة لا يعرف حدودا قوميّة قط. ولكن هذه الأفكار لا يمكنها أن تثمر ثمارا ثوريّة إلاّ على أيدي جماهير الشعب نفسها، وفي ظلّ ظروف معيّنة في بلد معيّن. وهذا صحيح لا في عصر الثورة البروليتارية فحسب، بل هو صحيح كلّ الصحّة في عصر الثورة البرجوازية أيضا. لقد اتّخذت البرجوازية زمن ثورتها في عدّة بلدان "العقد الاجتماعي" لروسو كإنجيل لها، بينما اتخذت البروليتاريا الثوريّة في مختلف البلدان، كإنجيل لها، "البيان الشيوعي" و"رأس المال" لماركس وكتابي لينين، "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" و"الدولة والثورة"، وأعمال أخرى لهما. والأزمنة تختلف، ولكن أحدا لا يستطيع أن يحول دون الثورة في أي بلد إذا كانت هناك رغبة في تلك الثورة، وعندما تنضج الأزمة الثورية في هذا البلد. إنّ النظام الاشتراكي سيحلّ في النهاية مكان النظام الرأسمالي. هذا قانون موضوعي مستقلّ عن إرادة الإنسان. فمهما حاول الرجعيّون منع تقدّم عجلة التاريخ فستحدث الثورة عاجلا أم آجلا وستنتصر بالتأكيد. ونفس الشيء ينطبق على استبدال مجتمع بآخر طيلة تاريخ الإنسانيّة. فقد حلّ النظام الإقطاعي محلّ نظام العبودية، وحلّ النظام الرأسمالي بدوره محلّ النظام الإقطاعي. وهذا أيضا يسير حسب قوانين مستقلّة عن إرادة الإنسان. وقد جرت جميع هذه العمليّات عن طريق الثورة.
   لقد قال المحرّف القديم السيء الصيت برنشتين مرّة: "تذكّروا روما القديمة، فقد كانت هناك طبقة حاكمة لم تعمل ولكنّها عاشت عيشة حسنة، ونتيجة لذلك ضعفت تلك الطبقة. فمثل هذه الطبقة يجب أن تتخلّى عن سلطتها تدريجيّا"15.  أمّا حقيقة أن مُلاّك الرقيق "قد ضعفوا كطبقة" فهذه حقيقة تاريخية لم يستطع برنشتين المؤرّخ السفيه الدعي ستر أهمّ الحقائق الأساسيّة في تاريخ روما القديمة، وهي أن ملاك الرقيق لم "يتخلوا عن السلطة" بمحض اختيارهم، وأنّ حكمهم قد أطيح به عن طريق ثورات العبيد الطويلة الأمد المتكرّرة والمتواصلة. والثورة تعني استخدام العنف الثوري من قبل الطبقة المضطهَدة، تعني الحرب الثورية. وهذا صحيح بالنسبة لثورة العبيد، وصحيح أيضا بالنسبة للثورة البرجوازية. لقد وصفها لينين بصورة صحيحة فقال: "يعلّمنا التاريخ أنّه ما من طبقة مضطهَدة نالت السلطة أبدا، ولا استطاعت نيلها، بدون المرور بفترة ديكتاتورية مثل انتزاع السلطة السياسية واستخدام العنف في قمع أكثر المقاومة يأسا وحنقا، التي يبديها المستثمِرون... ما جاءت البرجوازية إلى السلطة في البلدان المتقدّمة إلاّ عن طريق سلسلة من الانتفاضات والحروب الأهلية واستخدام القوّة لقمع الملوك والإقطاعيين وملاك العبيد وقمع محاولاتهم لاستعادة السلطة"16.
 ولماذا تتمّ الأشياء بهذه الطريقة ؟
   للإجابة على هذا السؤال علينا أن نرجع إلى لينين مرّة أخرى. فأوّلا كما قال لينين، "لا توجد هناك بعد طبقة حاكمة في العالم تخلّت عن السلطة دون نضال"17  وثانيا كما أوضح لينين، "الطبقات الرجعية نفسها هي البادئة دائما في استخدام العنف، وإشعال الحرب الأهلية، وهي البادئة في "وضع الحراب في جدول الأعمال"18.
 فعلى ضوء هذا، كيف نفهم الثورة الاشتراكية البروليتارية ؟
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نرجع مرّة أخرى إلى لينين. لنقرأ الفقرة التالية له: "لا توجد ثورة عظمى واحدة في التاريخ أبدا تمّت دون حرب أهليّة، ولا يوجد ماركسي حقيقي يعتقد أنّ بالإمكان الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية دون حرب أهلية"19. لقد فسرت كلمات لينين هذه المسألة بوضوح جليّ.
إليكم ههنا مقتطف آخر من لينين:
" حبّذا لو ولدت الاشتراكية سلميّا، ولكن السادة الرأسماليين لم يرغبوا في تركها تولد هكذا. ليس بكاف تماما أن نصفها بهذا الشكل. فحتّى لو لم تكن هناك حرب فإنّ جميع السادة الرأسماليين سيكونون قد عملوا ما باستطاعتهم لمنع مثل هذا التطوّر السلمي. والثورات الكبرى، حتى عندما تبدأ سلمياّ بمثل الثورة الفرنسية الكبرى، فإنّها تنتهي بحروب يائسة تبدأ بها البرجوازية المعادية للثورة"20. وهذا أيضا واضح وضوحا جليّا.
  إنّ ثورة أكتوبر العظمى هي أفضل شاهد مادي على صحّة افتراضات لينين هذه. وكذلك ثورتنا الصينيّة. ولن ينسى الناس أنّه فقط بعد إثنين وعشرين عاما من الحرب الأهلية الضارية، تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، أحرز الشعب الصيني والبروليتاريا الصينية الانتصار على نطاق البلاد، واستوليا على سلطة الدولة.
   وينبئنا تاريخ الثورة البروليتارية في الغرب بعد الحرب العالمية الأولى أنّه: حتى عندما لا يمارس السادة الرأسماليون السيطرة المباشرة المكشوفة على سلطة الدولة، بل يحكمون عن طريق صنائعهم – الديمقراطيين الاجتماعيين الخونة – فإنّ هؤلاء المرتدّين الحقيرين سيكونون، بالطبع، على استعداد في أي وقت، طبقا لما يمليه البرجوازيون، لستر عنف الحرس الأبيض البرجوازي وإغراق المكافحين البروليتاريين الثوريّين في بحر من الدم. فهذا ما حدث تماما في ألمانيا في ذلك الوقت. لقد أسلمت البرجوازية الألمانية الكبيرة، وهي مغلوبة، سلطة الدولة للديمقراطيين الاجتماعيين. وبادرت الحكومة الديمقراطية الاجتماعية، إثر مجيئها إلى السلطة، إلى قمع دموي للطبقة العاملة الألمانية في شهر كانون الثاني (يناير) عام 1919. ولنتذكّر كيف بذل كارل ليبكنخت وروزا لوكسمبورغ وغيرهما الذين دعاهم لينين "أفضل ممثّلين للأممية البروليتارية العالمية" و"القادة الخالدين للثورة الاشتراكية العالمية" دماءهم الزكية نتيجة عنف الديمقراطيين الاجتماعيين في تلك الأيام! ولنتذكّر أيضا، كلمات لينين عن " دناءة وخسّة جرائم القتل هذه21 التي اقترفها هؤلاء المرتدّون – هؤلاء الذين يدّعون أنفسهم "اشتراكيّين" بغية المحافظة على النظام الرأسمالي ومصالح البرجوازية! فلنتفحّص، على ضوء الحقائق الدامية في التاريخ الماضي وفي العالم الرأسمالي الحديث، جميع الأباطيل والأكاذيب التي لفّقها المحرّفون القدامى وأشباههم المعاصرون حول ما يدعى "تقدّم الرأسمالية السلمي إلى الاشتراكية !" 
   وهل ينتج عن ذلك إذن أنّنا نحن الماركسيون – اللينينيون سنرفض اتّباع سياسة الانتقال السلمي حتى عندما توجد إمكانية التطوّر السلمي؟ كلاّ حتما.
وكما نعلم جميعا فإنّ إنجلز، وهومن أعظم مؤسسي الشيوعيّة العلمية، أجاب في كتابه الشهير "مبادئ الشيوعية" علن السؤال التالي "هل يمكن القضاء على الملكيّة الخاصة بالوسائل السلمية؟" فكتب يقول:" إنّ المرء ليرغب في أن تكون الحال هكذا، والشيوعيّون بطبيعة الحال سيكونون آخر من يعترض على ذلك. ويعلم الشيوعيون جيّدا أنّ جميع المؤامرات ليست عقيمة فحسب بل وحتى مضرّة. وهم يعلمون جيدا جدّا أن الثورات لا يمكن صنعها كما يرغب المرء، ولا يمكن صنعها حسب الطلب، وإن الثورات كانت دائما وفي كلّ مكان النتيجة الضرورية للظروف القائمة التي لم تعتمد إطلاقا على إرادة وقيادة أحزاب منفردة وطبقات بأكملها. ولكنّهم يرون، في نفس الوقت، أن تطوّر البروليتاريا في جميع البلدان المتحضّرة تقريبا قد قمع بعنف وأنّ خصوم الشيوعيين يعلمون بهذه الطريقة كأنّهم يحاولون جهدهم إثارة الثورة...". لقد كتب هذا قبل أكثر من مئة عام، ولكنّه كم يبدو حديثا عندما نقرأه ثانية !
   ونحن نعلم أيضا أن لينين اتّبع، لوقت ما إثر ثورة شباط (فبراير) الروسية، ونظرا لظروف خاصة في ذلك الوقت، سياسة التطوّر السلمي للثورة. واعتبرها "فرصة استثنائية نادرة في تاريخ الثورات"22 واغتنمها بإحكام. ولكن الحكومة البرجوازية المؤقتة والحرس الأبيض دمّروا هذه الإمكانيّة للتطوّر السلمي للثورة، وهكذا لطخوا شوارع بتروغراد بدم العمّال والجنود في مظاهرة جماهيرية سلميّة في شهر تموز (يونيو)، ولهذا أشار لينين إلى ما يلى:" لقد أصبح المجرى السلمي للتطوّر مستحيلا. لقد بدأ مجرى غير سلمي ومؤلم أشدّ الألم"23.
   ونحن نعلم أيضا أنّه عندما انتهت حرب المقاومة الصينيّة ضد العدوان الياباني، وكانت هناك رغبة حارة في السلم لدى الشعب بأسره في البلاد، قام حزبنا بمفاوضات سلميّة مع الكومنتانغ ساعيا لإجراء إصلاحات اجتماعية وسياسية في الصين بالطرق السلمية، وفي عام 1946 تمّ التوصّل مع الكومنتانغ الى اتّفاقيّة لتحقيق السلم في جميع أنحاء البلاد. ولكن طغمة الكومنتانغ الرجعية، تحدّيا لإرادة الشعب بأسره، مزّقت تلك الاتّفاقيّة، وشنّت حربا أهليّة على نطاق البلاد بتأييد المستعمِرين الأميركيين تاركة الشعب الصيني دون خيار سوى الردّ عليها بحرب ثورية. وحيث أنّنا، في نضالنا من أجل الإصلاح السلمي، لم نخفف من يقظتنا ابدا ولم نتخلّ عن القوات المسلّحة الشعبيّة، بل كنّا على استعداد تام، فإنّ الشعب لم يرهب الحرب، ولكن الذين شنّوا الحرب جنوا ثمراتها المُرّة.
   إنّه سيكون من أفضل مصالح الشعب لو استطاعت البروليتاريا الحصول على السلطة والقيام بالانتقال إلى الاشتراكية بالطرق السلمية. وسيكون من الخطأ عدم الاستفادة من مثل هذه الفرصة عندما تسنح. فعندما تسنح فرصة "التطوّر السلمي للثورة" يجب على الشيوعيّين أن يغتنموها بإحكام، كما فعل لينين، وذلك لتحقيق هدف الثورة الاشتراكية. ولكن هذا النوع من الفرصة هو دائما، كما جاء في كلمات لينين، "فرصة استثنائية نادرة في تاريخ الثورات". وعندما تكون سلطة سياسية محلّية معيّنة في بلد ما محاطة فعلا بقوّات ثوريّة، أو عندما يكون بلد رأسمالي ما في العالم بأسره محاطا فعلا بالاشتراكية، ففي مثل هاتين الحالتين، ربّما كانت هناك إمكانيّات أكبر لفرص التطوّر السلمي للثورة. ولكن حتى عند ذلك، يجب أن لا يعتبر التطوّر السلمي للثورة أبدا بأنه الإمكانيّة الوحيدة، ولهذا فمن الضروري أن نكون على استعداد في نفس الوقت للإمكانيّة الأخرى، أي للتطوّر غير السلمي للثورة. فبعد تحرير البرّ الصيني، على سبيل المثال، كانت بعض المناطق المحكومة من قبل ملاك العبيد وملاك الأقنان محاطة فعلا بالقوّات الثوريّة الشعبيّة السائدة سيادة مطلقة، ومع ذلك فإنّ "الوحوش- كما يقول المثل الصيني القديم – تحارب ولو كانت محصورة". ذلك أنّ حفنة من أشدّ ملاك العبيد وملاك الأقنان رجعية ضربت ضربتها الأخيرة رافضة الإصلاحات السلميّة، وشنّت عصيانات مسلّحة، وفقط بعد قمع هذه العصيانات كان من الممكن القيام بإصلاح النظم الاجتماعية.
   وفي الوقت الذي تسلّحت فيه البلدان الاستعماريّة والمستعمِرون حتى الأسنان، وأكثر من أي وقت مضى، بغية حماية نظامهم الوحشي الذي يقوم على أكل لحوم البشر، فهل يمكن القول إنّ المستعمِرين قد أصبحوا، كما يدّعى المحرّفون المعاصرون، "سلميين" جدّا إزاء البروليتاريا والشعوب في بلدانهم والأمم المضطهَدة في الخارج، ولهذا فإنّ "الفرصة الاستثنائية النادرة في تاريخ الثورات" التي تحدث عنها لينين بعد ثورة شباط (فبراير) ستصبح بعد اليوم أمرا طبيعيّا للبروليتاريا وجميع الشعوب المضطهَدة في العالم، بحيث يصبح ما أشار إليه لينين على أنّه "فرصة نادرة" متوفّر بسهولة للبروليتاريا في البلدان الرأسمالية؟ إنّنا نعتقد أن هذه الآراء ليس لها أساس إطلاقا.
وعلى الماركسيّين - اللينينيّين أن لا ينسوا أبدا هذه الحقيقة : إنّ القوّات المسلّحة لجميع الطبقات الحاكمة تستخدم اول ما تستخدم اضطهاد الشعوب في بلدانها نفسها. ويستطيع المستعمِرون، فقط على أساس اضطهاد شعوبهم في بلدانهم، اضطهاد البلدان الأخرى وشنّ عدوان وإثارة حروب غير عادلة. ومن أجل اضطهاد شعوبهم يحتاجون للمحافظة على قواتهم المسلّحة الرجعيّة وتعزيزها. وقد كتب لينين مرّة في مجرى الثورة الروسية عام 1905: "إنّ الجيش الدائم لا يستخدم ضد العدو الخارجي بقدر ما يستخدم ضد العدو الداخلي"24، فهل هذا الاستنتاج سار مفعوله على جميع البلدان التي تسيطر فيها الطبقات المستغِلة وعلى جميع البلدان الرأسمالية؟
   وهل يمكن القول إنّ هذا كان صحيحا في ذلك الوقت ولكنّه أصبح غير صحيح الآن؟ إنّ هذه الحقيقة، في رأينا، لا تزال حتى يومنا هذا صحيحة لا يمكن تفنيدها، والوقائع تؤكّد صحّتها أكثر فأكثر. وإذا تكلّمنا بدقّة فإنّ البروليتاريا في أي بلد، إذا فشلت في رؤية هذا بوضوح، فلن تتمكّن من الاهتداء إلى طريق التحرّر.
   وفي كتاب "الدولة والثورة" ركّز لينين مشكلة الثورة على سحق جهاز الدولة البرجوازية. واقتطف أهمّ فقرات كتاب ماركس "الحرب الأهلية في فرنسا" فكتب:" بعد ثورة 1848- 1849 أصبحت سلطة الدولة " سلاح حرب على نطاق البلاد في يد الرأسمال ضد العمّال ". إنّ الجهاز الرئيسي في سلطة الدولة البرجوازية لشنّ حرب ضد العمّال هو جيشها الدائم. ولهذا، " فإنّ أوّل مرسوم للكومونة كان إلغاء الجيش الدائم واستبداله بالشعب المسلّح".
وهكذا تجب معالجة هذه المسألة، لدى التحليل النهائي، على ضوء مبادئ كومونة باريس التي، كما وصفها ماركس، هي مبادئ خالدة لا تفنى. وفي السبعينات من القرن التاسع عشر اعتبر ماركس بريطانيا والولايات المتّحدة استثناءين، معتقدا أنّ في هذين البلدين إمكانية الانتقال "السلمي" إلى الاشتراكية، لأن العسكريّة والبيروقراطية في هذين البلدين كانتا في مرحلة أوّلية من التطوّر. ولكن في عصر الاستعمار، أصبح "هذا التقييد من جانب ماركس غير ساري المفعول"، كما يقول لينين، حيث أنّ هذين البلدين قد "غرقا اليوم تماما في قذارة أوربا كلّها، وفي مستنقع المؤسسات البيروقراطية العسكرية الدمويّة التي جعلت كلّ شيء تابعا لها، وداست كلّ شيء تحت أقدامها"25. لقد كانت هذه نقطة من النقاط التي تركّز عليها النقاش بين لينين وانتهازيي تلك الأيّام. لقد شوّه الانتهازيون الذين يمثّلهم كاوتسكي، هذا الاستنتاج "غير الساري المفعول" لماركس في محاولة لمقاومة الثورة البروليتارية وديكتاتورية البروليتاريا، أي مقاومة حاجة البروليتاريا إلى القوّات المسلّحة الثورية والثورة المسلّحة، في سبيل تحريرها. وكان ردّ لينين على كاوتسكي كما يلي: إنّ ديكتاتورية البروليتاريا الثورية هي عنف ضد البرجوازية، وضرورة مثل هذا العنف موجودة بصورة خاصة، نظرا لوجود العسكرية والبيروقراطية، كما أوضح ماركس وإنجلز بالتفصيل بصورة متكرّرة... ولكن العسكرية والبيروقراطية، على وجه التحديد، هما اللتان كانتا غير موجودتين في إنكلترا وأميركا في السبعينات من القرن التاسع عشر، عندما وضع ماركس ملاحظاته (ولكنّهما موجودتان في إنكلترا وأميركا الآن)"26.
   ويمكن، بهذا، أن نرى أنّ البروليتاريا مجبرة على اللجوء إلى وسائل الثورة المسلّحة. والماركسيون يرغبون دائما في إتّباع الطريقة السلمية في الانتقال إلى الاشتراكية، وطالما كانت الطريقة السلميّة موجودة يمكن إتّباعها، فالماركسيون – اللينينيون لا يمكنهم أن يتخلّوا عنها. ولكن هذه الطريق بالذات هي التي يسعى البرجوازيّون إلى إغلاقها عندما يملكون الجهاز العسكري البيروقراطي الجبّار لممارسة الاضطهاد.
   لقد كتب لينين الفقرة السابقة في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1917، فكيف تجري الأمور الآن؟ وهل كانت كلمات لينين صحيحة تاريخيّا ولكنّها لم تعد هكذا في ظلّ الظروف الراهنة كما يزعم المحرّفون المعاصرون؟ يستطيع كل أمرئ أن يرى أنّ البلدان الرأسمالية اليوم، دون استثناء تقريبا، وبوجه خاص الدول الاستعماريّة الكبيرة القليلة التي تقف في طليعتها الولايات المتّحدة، تحاول بقصارى جهدها تعزيز جهازها القمعي العسكري البيروقراطي، وخاصة جهازها العسكريّ.
   وينصّ بيان اجتماع موسكو لممثّلي الأحزاب الشيوعية والعمّالية في البلدان الاشتراكية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1957 على ما يلى :
" علّمتنا اللينينيّة وأكّدت التجربة التاريخية، انّ الطبقات الحاكمة لا تتخلّى عن السلطة أبدا عن طواعيّة. وفي هذه الحال لا تتوقّف ضراوة وأشكال النضال الطبقيّ على البروليتاريا، بقدر ما تتوقف على مدى المقاومة التي تبديها الأوساط الرجعيّة إزاء إرادة الغالبيّة العظمى من الشعب، وعلى استخدام هذه الأوساط للقوّة أو عدم استخدامها في مرحلة او أخرى من مراحل النضال من أجل الاشتراكية ".
   هذا تلخيص جديد لتجربة نضال البروليتاريا الأمميّة في العقود القليلة التي مضت على وفاة لينين.
    والمسألة ليست هي ما إذا كانت البروليتاريا راغبة في القيام بالتغيير السلمي، بل هي في الواقع، ما إذا كانت البرجوازية ستقبل مثل هذا التغيير السلمي. هذه هي الطريقة الوحيدة الممكنة التي يعالج بها تلاميذ لينين هذه المسألة.
    وهكذا، خلافا للمحرّفين المعاصرين الذين يسعون لشلّ العزيمة الثورية لدى الشعب بواسطة الحديث الأجوف عن الانتقال السلمي إلى الاشتراكية يمكن إثارتها فقط على ضوء الظروف المعيّنة في كلّ بلد، في وقت معيّن. وعلى البروليتاريا ألاّ تقيم أبدا، بشكل وحيد الطرف وبدون أساس، أفكارها ومبادئها السياسية وجميع اعمالها على اعتبار انّ البرجوازية راغبة في قبول التغيير السلمي. بل عليها أن تستعدّ لشيئين في وقت واحد : أحدهما هو التطوّر السلمي للثورة، والآخر هو التطوّر اللاسلمي للثورة. وسواء كان الانتقال سيجري بطريق الانتفاضة المسلّحة أو بالوسائل السلميّة فهذه مسألة منفصلة، أساسا، عن مسألة التعايش السلمي بين البلدان الاشتراكية والرأسمالية، إنّه شأن من الشؤون الداخلية لكلّ بلد، شأن تقرّره فقط علاقات نسبة القوى بين الطبقات في ذلك البلد في فترة ما، شأن يقرّره، فقط الشيوعيّون في ذلك البلد بأنفسهم.

- 6 -
   تحدّث لينين عام 1919 بعد ثورة أكتوبر عن الدروس التاريخيّة التي يمكن استخلاصها من الأمميّة الثانية. وقال عن نمو الحركة البروليتارية خلال فترة الأمميّة الثانية، " كان يتّجه نحو الاتّساع، ممّا أدّى إلى هبوط مؤقت في المستوى الثوري، وازدياد مؤقت في قوّة الانتهازية، وكانت النتيجة هي الإفلاس المشين لهذه الأممية"27.
 ما هي الانتهازية؟ وفقا لما قاله لينين " الانتهازية هي تضحية بالمصالح الأساسيّة من أجل مكاسب مؤقتة وجزئية"28.
 وماذا يعنى الهبوط في المستوى الثوري؟ إنّه يعنى أن الانتهازيّين يحاولون بكلّ الوسائل تركيز انتباه الجماهير على مصالحها اليوميّة المؤقتة الجزئيّة وجعلها تنسى مصالحها البعيدة المدى، الأساسيّة، الشاملة. بينما يعتقد الماركسيون – اللينينيون أن مسألة النضال البرلماني يجب النظر إليها على ضوء المصالح البعيدة المدى الأساسيّة الشاملة.
وأنبأنا لينين عن الآفاق المحدودة للنضال البرلماني، ولكنّه حذّر الشيوعيّين أيضا من ضيق الأفق والأخطاء الانعزالية، وفي كتابه المعروف "مرض الطفولة "اليسارية" في الحركة الشيوعية" فسّر لينين تجربة الثورة الروسيّة فبيّن في ظلّ أية ظروف تكون مقاطعة البرلمان صحيحة، وفي ظلّ أية ظروف تكون خاطئة. لقد اعتبر لينين أنّ كلّ حزب بروليتاري يجب أن يستفيد من كلّ فرصة ممكنة للاشتراك في النضالات البرلمانية الضروريّة. إنّه لخطأ اساسي وسيلحق الأذى فقط بقضيّة البروليتاريا الثوريّة أن ينشغل عضو الحزب الشيوعي في الحديث الأجوف فقط حول الثورة بينما يكون غير راغب في العمل بمثابرة وإصرار ومعرضا عن النضالات البرلمانية الضروريّة. وانتقد لينين حينذاك أخطاء الشيوعيّين في بعض البلدان الأوروبية لرفضهم الاشتراك في البرلمان فقال :
" إنّ طفولة أولئك الذين "يرفضون" الاشتراك في البرلمان تكمن، على وجه التحديد، في حقيقة أنّهم يحاولون "حلّ" المشكلة الصعبة، مشكلة محاربة النفوذ البرجوازي الديمقراطي داخل الحركة العمّالية، عن طريق مثل هذه الأساليب "البسيطة" "السهلة" التي تبدو كأنها أساليب ثوريّة، وهم في الحقيقة إنّما يهربون من ظلّهم، ويغمضون أعينهم عن الصعوبات ويحاولون تحاشيها بمجرد الكلمات".
 ولماذا نعتبر المساهمة في النضال البرلماني ضرورية؟ إنّ ذلك، في رأي لينين، من اجل مكافحة التأثيرات البرجوازية داخل صفوف الحركة العمّالية، أو كما أشار في مكان آخر "على وجه التحديد من أجل تثقيف الفئة المتأخّرة من طبقتها نفسها، وعلى وجه التحديد من أجل إنهاض وتنوير الجماهير الريفيّة غير المتطوّرة، المقهورة، الجاهلة".
وبكلمة اخرى، من أجل رفع المستوى السياسي والإيديولوجي للجماهير ولتوحيد النضال البرلماني مع النضال الثوري، وليس من أجل تخفيض مستوياتنا السياسية والإيديولوجية وفصل النضال البرلماني عن النضال الثوري.
   الاندماج مع الجماهير وعدم تخفيض المستويات الثوريّة، هذا هو المبدأ الأساسي الذي علّمنا إيّاه لينين والذي يجب التمسّك به بحزم في نضالنا البروليتاري.
إنّ علينا أن نشترك في النضالات البرلمانيّة، ولكن علينا أن لا نحمل أيّة أوهام حول النظام البرلماني للبرجوازية، لماذا؟ لأنّه طالما بقي جهاز الدولة العسكري البيروقراطي للبرجوازية غير ممسوس فليس البرلمان سوى حلية تتزيّن بها ديكتاتورية البرجوازية، حتى لوكان حزب الطبقة العاملة يمتلك الأكثرية في البرلمان، أو أصبح اكبر حزب فيه. وزيادة على ذلك، فطالما بقي جهاز الدولة هذا غير ممسوس فإنّ البرجوازية قادرة تماما، في أي وقت، طبقا لحاجات مصالحها نفسها، على حلّ البرلمان عند الضرورة، أو استخدام مختلف الأحابيل المكشوفة والخفيّة لتحويل حزب الطبقة العاملة، الذي هو أكبر حزب في البرلمان، إلى أقلية، أو تخفيض مقاعده في البرلمان، حتى ولو أحرز أصواتا أكثر من قبل في الانتخابات. ولهذا فمن الصعب التصوّر أن تغيّرات ستحدث في ديكتاتورية البرجوازية نفسها نتيجة التصويت في البرلمان، وكذلك من الصعب تماما التصوّر أنّ في إمكان البروليتاريا اتّخاذ تدابير في البرلمان للانتقال السلمي إلى الاشتراكية لمجرّد أنّها أحرزت عددا معيّنا من الأصوات في البرلمان. وقد أثبتت التجربة في مجموعة من البلدان الرأسمالية منذ مدّة طويلة هذه النقطة تماما، وقدّمت تجربة مختلف البلدان في اوروبا وآسيا بعد الحرب العالميّة الثانية براهين جديدة على ذلك.
قال لينين :
" لا تستطيع البروليتاريا أن تنتصر ما لم تكسب إلى جانبها غالبيّة السكاّن. ولكن تحديد عمل الكسب هذا أو تقييده بجمع أكثر الأصوات في الانتخابات، في الوقت الذي تبقى فيه البرجوازية مسيطرة، هو أكبر حماقة مطبقة أو خداع للعمّال " 29.
 ويعتقد المحرّفون المعاصرون أن كلمات لينين هذه قد أصبحت بالية، ولكن الحقائق الحيّة أمام اعيننا تبرهن أن كلمات لينين هذه ما تزال أفضل علاج، مع أنّه مرّ المذاق، للثوريّين البروليتاريّين في أي بلد.
ويعنى تخفيض المستويات الثوريّة، تخفيض المستويات النظرية للماركسية – اللينينية، ويعنى تخفيض النضالات السياسية إلى مستوى النضالات الاقتصاديّة، وتقييد النضالات الثوريّة ضمن حدود النضالات البرلمانيّة. إنّه يعنى مقايضة المبادئ بالمنافع المؤقتة.
وفي بداية القرن العشرين لفت لينين الأنظار في كتابه "ما العمل؟ " إلى مسألة انّ "انتشار الماركسية الواسع كان يرفقه بعض الهبوط في المستويات النظرية". وأورد لينين رأي ماركس الوارد في رسالة حول "منهاج غوتا" والقائل بأنّ بإمكاننا أن ندخل في معاهدات لتحقيق الأهداف العملية للحركة، ولكننا يجب أن لا نتاجر أبدا بالمبادئ ونقدم "التنازلات" في النظريّة. وقد أضاف لينين بعد ذلك الكلمات التالية المعروفة الآن جيدا لجميع الشيوعيين تقريبا: "بدون نظرية ثورية لا يمكن ان تكون هناك حركة ثورية. وهذا ما يجب علينا الإصرار عليه بشدّة كبيرة في وقت يندمج فيه وعظ الانتهازية الدارج بالولع بأضيق أشكال النشاط العملي".
   ما أهمّه من إلهام للماركسّيين الثوريّين ! لقد أحرزت الحركة الثوريّة كلّها في روسيا النصر في تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 1919، على وجه التحديد، بإرشاد هذا الفكر الماركسي الثوري الذي تمسّك به بحزم الحزب البلشفي برئاسة لينين العظيم.
   وأحرز الحزب الشيوعي الصيني أيضا خبرة فيما يتعلّق بالمسألة المذكورة آنفا في مناسبتين: الأولى كانت خلال فترة عام 1927 الثوريّة. فقد كانت السياسة التي اتّخذتها انتهازية تشن توشي وفي ذلك الوقت إزاء جبهة حزبنا المتّحدة مع الكومنتانغ مغايرة للمبادئ والمواقف التي يجب على الحزب الشيوعي أن يتمسّك بها. فقد كان من رأيه إنزال الحزب الشيوعي من حيث المبدأ إلى مستوى الكومنتانغ، وكانت النتيجة هزيمة الثورة. والمناسبة الثانية كانت خلال فترة حرب المقاومة للعدوان الياباني، فقد تمسّكت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني بحزم بالموقف الماركسي- اللينيني وكشفت الخلافات، في المبدأ، بين الحزب الشيوعي والكومنتانغ فيما يتعلّق بموقفيهما إزاء الحرب ضد اليابان، وكانت ترى أن على الحزب الشيوعي أن لا يقدّم أبدا تنازلات للكومنتانغ في المبدأ حول هذه المواقف. ولكن الانتهازية اليمينية ممثّلة في وانغ منغ كرّرت الأخطاء التي اقترفها تشن توشيو قبل عشر سنوات، وأرادت الهبوط بالحزب الشيوعي في المبدأ على مستوى الكومنتانغ ولهذا خاض حزبنا كلّه نقاشا واسعا مع الانتهازيّين اليمينيّين، وقال الرفيق ماوتسى تونغ: "...إذا نسي الشيوعيّون هذه النقطة المبدئية فإنّهم لن يكونوا قادرين على توجيه الحرب ضد اليابانيين بصورة صحيحة، وسيكونون لا حول لهم ولا قوّة للتغلّب على تحزّب الكومنتانغ، وسيهبطون بأنفسهم إلى موقف يفقدون فيه مبادئهم، ويهبطون بالحزب الشيوعي إلى مستوى الكومنتانغ، وسيقترفون عند ذلك جريمة ضد القضية المقدّسة – قضية الحرب الوطنية الثورية والدفاع عن الوطن"30.
   وبسبب أنّ اللجنة المركزيّة لحزبنا رفضت أن تقدّم أدنى تنازل حول مسألة المبدأ، واتّبعت سياسة الوحدة والنضال في جبهة حزبنا المتّحدة مع الكومنتانغ، استطعنا أن نوطّد ونوسّع مراكز الحزب في الميدانين السياسي والإيديولوجي، ونوطّد ونوسّع الجبهة المتّحدة للثورة الوطنية، وبالتالي، استطعنا أن نعزّز ونوسّع قوّات الشعب في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، وتمكنّا كذلك من سحق الهجمات الواسعة النطاق التي شنّها رجعيو تشيان كاي شيك بعد انتهاء حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، ومن إحراز نصر على نطاق البلاد في الثورة الشعبية الكبرى.
   وانطلاقا من تجربة الثورة الصينية فقد كان من المحتمل وقوع أخطاء الانحراف اليميني في حزبنا، عندما تدخل البروليتاريا في تعاون سياسي مع البرجوازية، بينما يحتمل وقوع أخطاء الانحراف "اليساري" في حزبنا، عندما تنفصل هاتان الطبقتان عن بعضهما سياسيا. وفي مجرى قيادة الثورة الصينية، شنّ حزبنا نضالات ضد المغامرة " اليسارية " في عدّة مناسبات. ولم يكن المغامرون " اليساريون " قادرين على معالجة العلاقات الطبقيّة المعقّدة في الصين بصورة صحيحة من وجهة النظر الماركسية - اللينينية. وفشلوا في فهم كيفيّة إتباع سياسات صحيحة مختلفة إزاء مختلف الطبقات في مختلف الفترات التاريخية، ولكنّهم اتّبعوا، بأسلوب بسيط، السياسة الخاطئة – سياسة النضال بدون وحدة. ولو لم يتمّ التغلّب على خطيئة المغامرة " اليسارية " هذه لكان من المستحيل سير الثورة الصينيّة نحو النصرّ.
وتمشّيا مع وجهة النظر اللينينية فإنّ البروليتاريا في أي بلد، إذا أرادت إحراز النصر في الثورة، يجب أن يكون لها حزب ماركسي لينيني حقيقي، يحذق توحيد ما بين الحقائق الكلّية للماركسية - اللينينية والتطبيق الثوري المحدّد في بلادها، ويقرّر بصورة صحيحة في مختلف الفترات، من الذين تقف الثورة ضدّهم، ويسوّى مسألة تنظيم القوّة الرئيسية وحلفائها، ومسالة من الذين يمكنها الاعتماد عليهم، ومن الذين يجب الاتّحاد معهم. وعلى الحزب البروليتاري الثوري أن يعتمد اعتمادا وثيقا على جماهير طبقته وعلى شبه البروليتاريا في المناطق الريفية، أي الجماهير الواسعة من الفلاحين الفقراء، ويقيم تحالف العمّال والفلاحين بقيادة البروليتاريا. وعند ذلك فقط يصبح بالإمكان، على أساس هذا التحالف، الاتّحاد مع جميع القوى الاجتماعية التي يمكن الاتّحاد معها، وإقامة الجبهة المتّحدة من الشغيلة مع جميع الناس غير الشغيلة الذين يمكن الاتّحاد معهم، طبقا للظروف الخاصة في مختلف البلدان وفي مختلف الفترات. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلن تتمكّن البروليتاريا من تحقيق هدفها بإحراز النصر في الثورة في مختلف الفترات.
   ويحاول المحرّفون المعاصرون وبعض ممثّلي البرجوازية جعل الناس يؤمنون بإمكانية تحقيق الاشتراكية دون حزب ثوري للبروليتاريا، ودون سلسلة السياسات الصحيحة المذكورة أعلاه لحزب البروليتاريا الثوري. إنّ هذا مجرد خرف وتضليل واضح. لقد أشار "البيان الشيوعي" لماركس وإنجلز إلى أنّه كانت هناك أنواع مختلفة من "الاشتراكية"، هناك "اشتراكية" البرجوازية الصغيرة، و"اشتراكية" البرجوازية و"اشتراكية" إقطاعية إلخ. والآن، ونتيجة لانتصار الماركسية – اللينينية وتصدّع النظام الرأسمالي، تطمح جماهير أكثر فأكثر من الشعوب في مختلف بلدان العالم إلى الاشتراكية، كما ظهر المزيد من الأشكال الملّونة المختلفة مما يدّعى بـ "الاشتراكية" من بين الطبقات المستثمِرة في بعض البلدان. وكما قال إنجلز تماما، إنّ من يدعون بـ "الاشتراكيين" هؤلاء أيضا، "يريدون القضاء على المساوئ الاجتماعية عن طريق مختلف الوصفات التي تشفي كلّ الأمراض وجميع أنواع الترقيع، دون إلحاق أي اذى برأس المال والربح". إنّهم "يقفون خارج حركة العمّال ويفضلون طلب تأييد الطبقات "المثقّفة""31. إنّهم يرفعون فقط شارة الاشتراكية ولكنّهم في الواقع يطبّقون الرأسماليّة. وفي هذه الظروف، ليعتبر في غاية الأهمّية، التمسّك بحزم بالمبادئ الثورية للماركسية – اللينينية، وخوض نضال لا يعرف المساومة ضد جميع الاتّجاهات المؤدّية إلى الهبوط بالمستويات الثورية، وخاصة ضد التحريفية والانتهازية اليمينية.
   وفيما يتعلّق بمسألة صيانة السلم العالمي في الوقت الحاضر، يوجد أيضا بعض من الناس يزعمون أن النزاعات الإيديولوجية لم تعد ضروريّة، أو أنّه لم يعد هناك أي خلاف في المبدأ بين الشيوعيّين والديمقراطيّين الاجتماعيّين. إنّ هذا بمثابة الهبوط بالمستوى الإيديولوجي والسياسي للحزب الشيوعي إلى مستوى البورجوازية والديمقراطيين الاجتماعيين. إنّ هؤلاء الذين يصرّحون بمثل هذه التصريحات قد تأثّروا بالتحريفية المعاصرة وحادوا عن موقف الماركسية – اللينينية.
   إنّ النضال من أجل السلم والنضال من أجل الاشتراكية نوعان مختلفان من النضال. ومن الخطأ ألاّ نميّز تمييزا ملائما بين هذين النوعين المختلفين من النضال. فالعناصر الاجتماعية التي تشترك في حركة السلام أكثر تعقيدا بطبيعة الحال، ومن بين هذه العناصر المسالمون البرجوازيون. وفي الخطوط الأماميّة تماما لمقاومة الحروب الاستعماريّة وللدفاع عن التعايش السلمي ومقاومة الأسلحة النوويّة. وفي هذه الحركة سنعمل مع عدّة عناصر اجتماعية معقّدة، وندخل معها في اتّفاقيات ضروريّة لتحقيق السلم. ولكن علينا، في نفس الوقت، أن نتمسّك بمبادئ حزب الطبقة العاملة، وأن لا نهبط بمستوياتنا السياسية والإيديولوجية، وألاّ نهبط بأنفسنا إلى مستوى المسالمين البرجوازيّين في نضالنا من أجل السلم. وهنا، في هذا المجال، تبرز مسألة الاتّحاد والنقد.
   إنّ " السلم " على ألسنة المحرّفين المعاصرين، يقصد منه تبييض واجهة الاستعدادات الحربيّة التي يقوم بها المستعمِرون، وعزف لحن ما يدعى بـ "فوق الاستعمار" مرّة أخرى، لحن الانتهازيين القدامى، الذي فنّده لينين منذ مدّة طويلة، وتشويه سياستنا نحن الشيوعيّين فيما يتعلّق بالتعايش السلمي بين البلدان ذات النظامين المختلفين، بأنّها سياسة القضاء على ثورة الشعوب في داخل مختلف البلدان. لقد كان ذلك المحرّف القديم برنشتين هو الذي أدلى بالتصريح المشين السيء الصيت التالي: "الحركة هي كلّ شيء، أمّا الهدف فلا شيء". وللمحرّفين المعاصرين تصريح يشبهه: حركة السلم هي كلّ شيء، أما الهدف فلا شيء. ولهذا فإنّ "السلم" الذي يتحدّثون عنه هو عمليّا مقصور على "السلم" الممكن قبوله من جانب المستعمِرين في ظلّ ظروف تاريخية معيّنة. إنّه محاولة للهبوط بالمستويات الثورية لشعوب مختلف البلدان وتدمير عزيمتها الثورية.
   ونحن الشيوعيّين نناضل للدفاع عن السلم العالمي، من أجل تحقيق سياسة التعايش السلمي. وفي نفس الوقت نؤيد الحروب الثورية التي تشنّها الأمم المضطهَدة ضد الاستعمار، ونؤيد الحروب الثوريّة التي تشنّها الشعوب المضطهَدة من أجل تحرّرها وتقدمها الاجتماعي، لأنّ جميع هذه الحروب الثورية حروب عادلة. وبطبيعة الحال، علينا أن نستمرّ في أن نوضّح للجماهير فكرة لينين القائلة بأنّ نظام الاستعمار الرأسمالي، هو مصدر للحرب الحديثة، وعلينا أن نستمرّ في أن نوضّح للجماهير الرأي الماركسي اللينيني، حول استبدال الاستعمار الرأسمالي بالاشتراكية والشيوعية كهدف نهائي لنضالنا. إنّ علينا الا نخفي مبادئنا عن الجماهير.
- 7 –
   إنّنا نعيش اليوم في عصر جديد عظيم يتسارع فيه تداعي النظام الاستعمار ي أكثر فأكثر، ويصبح انتصار الشعوب في مختلف أنحاء العالم ووعيها في تقدّم مطرد أكثر فأكثر.
 إنّ شعوب مختلف البلدان في العالم بأسره، أسعد حظّا الآن من أي وقت مضى، وذلك بسبب حقيقة انّه، في الأربعين عاما ونيف منذ ثورة أكتوبر، حرّر ثلث البشريّة نفسه من اضطهاد الاستعمار الرأسماليين وأنشأ مجموعة من الدول الاشتراكية حيث تبنى، حقيقة، حياة من السلم الداخلي الدائم، إنّ هذه الدول لها تأثيرها على مستقبل البشرية كلّها، وستسرّع إلى حدّ كبير في قدوم اليوم الذي سيسود فيه سلم شامل دائم جميع أنحاء العالم.
   وفي طليعة جميع البلدان الاشتراكية والمعسكر الاشتراكي بأسره يتقدّم الاتّحاد السوفياتي العظيم، اوّل دولة اشتراكية أوجدها العمّال والفلاحون بقيادة لينين والحزب الشيوعي السوفياتي. ففي الاتّحاد السوفياتي قد تحقّقت أفكار لينين، والاشتراكية قد بنيت فيه منذ مدّة طويلة، وبدأت فيه فعلا الآن، تحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتّحاد السوفياتي والحكومة السوفياتية برئاسة الرفيق خروتشوف، فترة عظيمة من البناء الشامل للشيوعية. وأثار العمّال والفلاّحون والمثقّفون البواسل ذوو العقول الجبّارة في الاتّحاد السوفياتي اليوم نهوضا عظيما جديدا للعمل في نضالهم من أجل هدفهم العظيم هدف إنجاز بناء الشيوعية.
   ونحن، الشيوعيّين الصينيّين، والشعب الصيني، نهتف ونهلّل لكلّ منجز جديد للاتحاد السوفياتي، البلد الذي هو مسقط رأس اللينينية.
   والحزب الشيوعي الصيني، موحّدا ما بين الحقائق الكلية للماركسية - اللينينية والواقع المحدّد للثورة الصينية، قد قاد شعب البلاد كلّها وأحرز الانتصارات الكبرى في الثورة الشعبية، ويسير على الطريق الفسيح المشترك، طريق الثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي الذي رسمه لينين، مواصلا الثورة الاشتراكية حتى نهايتها الكاملة، وقد بدأ فعلا إحراز الانتصارات الكبرى في مختلف جبهات البناء الاشتراكي. ووضعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، للشعب الصيني، بصورة خلاّقة، وطبقا لمبادئ لينين وعلى ضوء الظروف في بلادنا، المبادئ الصحيحة للخط العام من أجل بناء الاشتراكية والقفزة الكبرى إلى الأمام والكومونات الشعبية، تلك المبادئ التي ألهمت مبادرات الجماهير وروحها الثورية في جميع أنحاء البلاد، وهي تحدث، يوما فيوما، تغيّرات جديدة على وجه بلادنا.
   وتحت رايتنا المشتركة – راية اللينينيّة – حققت البلدان الاشتراكية في أوربا الشرقية والبلدان الاشتراكية الأخرى في آسيا ايضا، قفزات كبرى في البناء الاشتراكي.
   إنّ اللينينية راية مظفّرة أبدا. إنّ رفع شغّيلة العالم هذه الراية العظمى بقوّة وحزم، يعنى التمسّك بالحقيقة وفتح طريق الانتصار المتواصل لنفسها.
   سيحيا لينين دائما في قلوبنا. وعندما يحاول المحرّفون المعاصرون تلطيخ اللينينية، الراية العظمى للبروليتاريا الأمميّة، فإنّ مهمّتنا هي الدفاع عن اللينينيّة. وكلّنا يتذكّر ما كتبه لينين في كتابه الشهير " الدولة والثورة " عمّا حدث لتعاليم المفكّرين والقادة الثوريّين في النضالات السابقة لمختلف الطبقات المضطهَدة من أجل التحرّر. لقد قال لينين إنّ التشويهات تلت وفاة هؤلاء المفكّرين والقادة الثوريين، " مميّعة محتوى التعاليم الثورية، ثالمة حدّها الثوري ومبتذلة إياها ". وأضاف لينين قائلا:" وفي الوقت الحاضر، يلتقي البرجوازيّون والانتهازيّون، داخل الحركة العمّالية في هذا "الصقل" للماركسية. وهم يقطعون ويشوّهون ويتناسون الناحية الثوريّة في هذه التعاليم، وروحها الثورية، ويدفعون إلى الصدارة ويمجّدون ما هو، أو ما يظهر بأنّه مقبول، لدى البرجوازيين".
   وهكذا تماما في الوقت الحاضر، إذ يواجهنا بعض ممثّلي الاستعمار الأميركي الذين يلبسون، مرّة أخرى، لباس القساوسة، وحتّى أنّهم يعلنون أن ماركس كان "مفكّرا عظيما من مفكّري القرن التاسع عشر"، وحتى أنّهم يعترفون بأنّ ما تنبّأ به ماركس في القرن التاسع عشر من أن أيّام الرأسمالية معدودة هو تنبؤ "يقوم على أساس" و"صحيح"، ولكنّهم يواصلون القول إنّه بعد حلول القرن العشرين، وبوجه خاص في العقود الأخيرة، اصبحت الماركسية غير صحيحة لأنّ الرأسمالية أصبحت شيئا مضى عهده ولم تعد توجد، في الولايات المتّحدة على الأقلّ. وبعد سماع مثل هذا الخرف من قساوسة الاستعمار، لا يسعنا إلاّ أن نشعر بأنّ المحرّفين المعاصرين يتحدّثون نفس اللغة، ولكن المحرّفين المعاصرين لا يقفون عند تشويه تعاليم ماركس، بل يذهبون إلى أبعد من ذلك، إلى تشويه تعاليم لينين، المكمّل والمطوّر العظيم للماركسية.
   لقد أشار بيان اجتماع موسكو إلى أنّ "الخطر الرئيسي في الوقت الحاضر هو التحريفية أو، بكلمة اخرى، الانتهازية اليمينية ". ويقول البعض إنّ حكم اجتماع موسكو هذا لم يعد صالحا في ظلّ الظروف الراهنة. ونحن نعتقد أنّ هذا القول خطأ. فهو يجعل الناس يهملون أهمّية النضال ضد الخطر الرئيسي- التحريفية - كما أنّه مضرّ جدّا بالقضية الثوريّة للبروليتاريا. ومنذ السبعينات في القرن التاسع عشر كانت هناك فترة من التطوّر " السلمي" للرأسمالية، ظهرت خلالها تحريفية برنشتين القديمة، وهكذا تماما في ظلّ الظروف الراهنة، عندما يجبر المستعمِرون على قبول التعايش السلمي، وعندما يوجد نوع من " السلم الداخلي " في كثير من البلدان الرأسمالية، تجد الاتّجاهات التحريفيّة سهولة في النمو والانتشار. ولهذا فعلينا دائما أن نحافظ على درجة عالية من اليقظة ضد هذا الخطر الرئيسي في الحركة العمّالية.
   وبصفتنا تلاميذ لينين، ولينينيّين، علينا أن نسحق تماما جميع محاولات المحرّفين المعاصرين لتشويه وتقطيع أوصال تعاليم لينين.
   إنّ اللينينيّة هي التعاليم الثورية الكاملة للبروليتاريا، إنّها نظرة إلى العالم، ثورية كاملة لا تتجزّأ، استمرّت، بعد ماركس وإنجلز، في التعبير عن فكر البروليتاريا. وهذه التعاليم الثورية الكاملة والنظرة الثوريّة الكاملة إلى العالم التي لا تتجزّأ يجب أن لا تشوّه أو تقطع أوصالها. إنّنا نعتقد بأنّ محاولات المحرّفين المعاصرين لتشويه وتقطيع أوصال اللينينية ما هي إلاّ دلالة على النضال اليائس الأخير الذي يخوضه المستعمِرون وهم يواجهون مصيرهم. فأمام الانتصارات المتواصلة في بناء الشيوعية في الاتّحاد السوفياتي، وأمام التعزيز المطّرد لوحدة المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي، وأمام اليقظة المطّردة لشعوب العالم بأسره والنضالات الباسلة المتواصلة التي تشنّها سعيا وراء تحرير نفسها من أغلال الاستعمار الرأسمالي، فإنّ المساعي التحريفيّة من تيتو وأشباهه هي مساع عقيمة تماما.
عاشت اللينينية العظيمة  !

***************************

الوثيقة الثانية
إلى الأمـــام على طريــــق لينـــين العظيـــم
لهيئة تحرير "جينيمينجيباو"
   إنّ الشغيلة الواعين في العالم بأسره يحتفلون اليوم بالذكرى التسعين لميلاد ف. إ. لينين، المعلّم الثوري العظيم للبروليتاريا.
   لقد كان لينين مؤسس الحزب الشيوعي في الاتّحاد السوفياتي وباني أوّل دولة اشتراكية في العالم، الاتّحاد السوفياتي، والقائد الأعظم للحركة الشيوعية العالمية بعد ماركس وإنجلز. وقد طوّر لينين الماركسية، في النظريات المتعلّقة بالفلسفة، والاقتصاد السياسي والاشتراكية العلميّة، إلى مرحلة جديدة، مرحلة اللينينية. فاللينينية هي ماركسية عصر الاستعمار والثورة البروليتارية.
   إنّ انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية بتوجيه لينين، قد حرّر سدس مساحة الكرة الأرضيّة من الحكم الرأسمالي. وبعد حوالي ثلاثين عاما ولدت سلسلة من البلدان الاشتراكية الجديدة في أوروبا وآسيا، وتشكّل المعسكر الاشتراكي الجبّار. وبعد انتصار الثورة الصينيّة، أصبح المعسكر الاشتراكي أكثر من ربع مساحة الكرة الأرضيّة، وأكثر من ثلث سكّان العالم. إنّ ميزان القوى الطبقيّة في العالم قد تغيّر تغيّرا كبيرا لصالح البروليتاريا والشغيلة.
   وإنّ نظرية لينين وقضيّته عزيزتان جدّا على الشعب الصيني؛ لأنّه في اللينينية، بالضبط، وجد طريقه إلى التحرّر. لقد أشار لينين مرارا في كتاباته، في الوقت الذي قلّ فيه من كان يعرفه في الصين، إلى الأهمّية العظمى والآفاق الكبرى للنضال الثوري في الصين. فمنذ عام 1913، وضع لينين في مؤلفه " المصير التاريخي لتعاليم كارل ماركس" رأيه المشهور بأنّ آسيا " مصدر جديد لعواصف عالمية عظيمة جدّا ". وبعد ذلك " بعثت إلينا طلقات مدافع ثورة أكتوبر بالماركسية - اللينينية " كما قال الرفيق ماوتسى تونغ. دخلت الثورة الصينيّة مرحلة جديدة حين وجدت الماركسية – اللينينية والحزب الثوري البروليتاري الماركسي – اللينيني.
   لقد أشار لينين إلى أنّ الاستعمار هو عشيّة الثورة البروليتارية، وأنّه سيفنى حتما في النضالات المشتركة للبروليتاريا العالمية والأمم المضطهَدة ؛ وأنّ الدولة هي جهاز للعنف يخدم الحكم الطبقي، فعلى البروليتاريا أن تستخدم العنف الثوري للإطاحة بالعنف المعادي للثورة، لسحق جهاز الدولة البورجوازي، جهاز أمراء الحرب والبيروقراطيين، وإقامة دولة جديدة قائمة على ديكتاتورية البروليتاريا ؛ وعلى البروليتاريا أن تسعى لتعزيز تحالفها مع الفلاحين، وأن تحلّ بصورة تامة مسألة الأراضي الزراعيّة، وأن تسعى للاستيلاء على زمام القيادة في الثورة الديمقراطية، وأن تحافظ على استقلالها في تحالفها مع البورجوازية الوطنية (أو حسب التعبير الشعبي الصيني، التحالف معها والنضال ضدّها) ؛ ويجب أن تنشئ حزبا بروليتاريا ثوريّا من نوع جديد، عليه أن يقاوم التحريفية التي تخون الماركسية، وأن يدحر روح المغامرة اليسارية في الحركة الشيوعية، وأن يثق بقوّة بالجماهير ويعتمد عليها. إنّ تعاليم لينين هذه قد سلّحت البروليتاريا في العالم أجمع، وسلّحت أيضا البروليتاريا في الصين. إنّ السبب الرئيسي الذي من أجله لاقت الحقائق العامة للماركسية – اللينينية القبول بسرعة من جانب البروليتاريا والشعب الثوري في الصين، هو أنّه لم يكن أمام الشعب الصيني الذي قاسى محنا فادحة أيّ مخرج إلاّ أن يكافح بحزم من أجل التحرّر. ففي الصين القديمة، التي كانت تعاني أشدّ أنواع حكم الاستعمار والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية قسوة ووحشيّة، كيف كان يمكن ان تحمل البروليتاريا والجماهير الشعبية أيّة أوهام عن "طيبة قلب" المستعمرين؟ وكيف كان يمكن أن تتوهّم ان الطبقة الحاكمة الرجعيّة ستسلّم سلطة الدولة للشعب بمحض إرادتها ؟
   لقد طبّق الحزب السياسي للبروليتاريا الصينيّة، الحزب الشيوعي، وقائده الرفيق ماوتسى تونغ، بشكل خلاّق، الحقائق العامة للماركسية – اللينينية، ودمجاها بالواقع المحدّد للثورة الصينية، ودفعا على الأمام، وبدون توقّف، النضال الثوري في الصين. وعندما خان الرجعيّون البورجوازيون، ممثلين بشيانغ كاي شيك، الثورة، وأغرقوا الشعب بحمام من الدم، لم يكن في وسع البروليتاريا الصينية وحزبها السياسي إلاّ أن يستخدما العنف الثوري ليقاوما العنف المعادي للثورة، وبعد إثنين وعشرين عاما من الحرب الثورية، أطاحا أخيرا بالحكم المظلم للاستعمار والرجعيّين من الكومنتانغ، وأقاما ديكتاتورية الشعب الديمقراطية تحت قيادة البروليتاريا، وسارا بالشعب الصيني في طريق الاشتراكية الرحب.
   إنّ انتصار الثورة الصينية هو انتصار الماركسية - اللينينة في الصين. وإنّ الانتصارات الكثيرة التي أحرزها الماركسية – اللينينية في جميع أنحاء العالم، وفي الصين، قد أوضحت بشكل متزايد أنّ حقائق الماركسية – اللينينية، حقائق لا تدحض، وأنّها البوصلة التي ترشد جميع الطبقات المضطهدة، وجميع الشعوب المضطهدة في العالم بأسره، في سعيها إلى التحرّر، والتي ترشد شعوب العالم أجمع في السير نحو الاشتراكية والشيوعية.
   فما هي المهمّات الرئيسية للشعب الصيني الآن ونحن نحتفل بالذكرى التسعين لميلاد لينين؟ إنّنا نعتقد بأنّ هناك ثلاث مهمات رئيسية هي: بناء الاشتراكية، والنضال من أجل السلم العالمي، والاتّحاد مع أصدقائنا في مختلف الأقطار.
   إنّ المهمّة الأولى للشعب الصيني في الوقت الراهن هي تطوير بنائنا الاشتراكي تطويرا عالي الوتيرة، وجعل بلادنا، في وقت غير طويل، دولة اشتراكية عظمى ذات صناعة حديثة، وعلم وثقافة حديثين متطوّرة كلّها تطوّرا عاليا. وإنّ تحقيق هذه المهمّة لن يكون ذا أهمّية حاسمة بالنسبة للشعب الصيني فقط، وإنّما سيكون أيضا ذا أهمية واضحة هائلة بالنسبة لقضيّة السلم والاشتراكية لشعوب العالم.
   إنّ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، وعلى رأسها الرفيق ماوتسى تونغ، في دمجها الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالواقع المحدّد للثورة الاشتراكية والبناء الاشتراكي في بلادنا، قد رسمت الخطّ العام وهو: بذل أقصى الجهود والتطلّع إلى العلاء وتحقيق نتائج أعظم، وأسرع، وأفضل، وأكثر اقتصادا في بناء الاشتراكية. وإن الخطّ العام هو الضمانة الأكثر أهمّية في تحقيق شعب بلادنا تحقيقا ناجحا لهذه المهمّة الكبرى.
   ومن أجل تحقيق هذه المهمّة الكبرى، يجب على شعبنا، كخطوة أولى، أن يناضل للحاق ببريطانيا أو تجاوزها في إنتاج المنتوجات الصناعية الرئيسية في أقلّ من عشرة أعوام، فيقيم، بصورة أساسيّة، نظاما صناعيّا كاملا ؛ وأن يعمل على تحقيق المنهاج الوطني للتطوّر الزراعي بين أعوام 1956 - 1967 قبل الموعد المحدّد ؛ فيتمّ بصورة أساسيّة تعميم المكننة الزراعيّة ومنشآت حفظ المياه، وإنجاز درجة لا بأس بها من الكهربة ؛ ويجب أن يناضل من أجل تنفيذ الثورة الثقافيّة وأن يعّم بصورة أساسية، وفي وقت غير طويل، التعليم المدرسي الابتدائي والثانوي، والتعليم في أوقات الفراغ، وأن يناضل لإنجاز المشروع الطويل الأمد لتطوير العلم والتكنيك بين أعوام 1956 – 1967 قبل الموعد المحدّد. وفي الوقت نفسه، يجب الاستمرار في تحقيق الثورة الاشتراكية في الجبهات الاقتصاديّة، والسياسية، والإيديولوجية، وتحقيق الانتصار التام للاشتراكية على الرأسمالية في كلّ ميدان، ورفع الوعي الاشتراكي والشيوعي للجماهير الشعبية إلى درجة كبيرة. ومن أجل إنجاز وتجاوز مخطّط الاقتصاد الوطني لعام 1960، يشنّ شعبنا، في الوقت الحاضر، حملة ناشطة لزيادة الإنتاج وممارسة الاقتصاد، تتركّز حول الابتكارات التكنيكيّة، والثورة التكنيكيّة، سعيا وراء رفع إنتاج هذا العام من سبائك الحديد على 27،5 مليون طن، والفولاذ إلى 18، 4 مليون طن، والفحم إلى 425 مليون طن، والقوة الكهربائية إلى أكثر من 55500 مليون كيلوواط ساعي، وليزيد إنتاج كلّ من الحبوب والقطن بحوالي 10 بالمئة. وهكذا ستزداد القيمة الإجماليّة للإنتاج الصناعي والزراعي هذا العام 23 بالمئة عن العام الماضي.
   لقد بذل المستعمرون الأميركيّون قصاري جهودهم في الهزء والافتراء حول ما إذا كان في وسع الشعب الصيني إنجاز جعل بلاده بلدا اشتراكيّا قويّا بسرعة عالية. ولنأخذ مثلا بعيدا ؛ ففي تشرين الثاني ( نوفمبر) 1958 قال ناظر الخارجية الأميركية السابق، جون فوستر دالس بأنّه " من الصعب التصديق بأنّ هذا المسعى سينجح أو سيواظب عليه ". ولنأخذ مثالا حديث العهد ؛ قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية الحالي بارسونز في شباط ( فبراير) من هذا العام بأن حملة الصين بزيادة سرعة تصنيعها "يمكن أن تؤدّى إلى انهيار هذا الحكم من الداخل". ولكن الغريب فعلا أنّه كلّما كانت افتراءات المستعمرين قبيحة وممجوجة، كان الحماس الثوري لدى الشعب الصيني أعلى وكان أعظم نشاطا في البناء. إنّ وضع الصين الاقتصاديّ، والوحدة السياسيّة لشعبنا يتطوّران أحسن فأحسن سنة بعد أخرى. ولا يشكّ أحد من الجماهير الواسعة اليوم، بأنّنا، بالتأكيد، سنتمكّن من إنجاز مشروعنا العظيم في البناء قبل الموعد المحدّد، ومن تجاوزه.
   لقد أشارت الماركسية – اللينينية دائما إلى أن قوى المجتمع المنتجة يمكن أن تتحرّر في ظلّ النظام الاشتراكي تحرّرا عظيما. واعتقد لينين أنّ الحياة في المجتمع الاشتراكي هي حركة جماهيرية حقّة تشارك فيها أغلبية السكّان أو حتى جميع السكّان، حركة تظهر لأوّل مرّة في التاريخ. فهو يعتقد أنّ القوّة الخلاّقة الهائلة للجماهير هي العامل الأساسي في المجتمع الاشتراكي؛ وأنّ ثمّة موردا لا ينضب من المواهب الخلاّقة بين العمّال والفلاّحين. وقد وصف لينين أحد مبادئ الماركسية "الأكثر عمقا وفي الوقت نفسه الأكثر وضوحا" بالعبارات التالية: "كلّما كان نطاق الحوادث ذات الأهمّية التاريخية واتّساعها كبيرين، كان عدد الجماهير التي تشترك في هذه الحوادث أكبر، وبالعكس فكلّما كان التغيير الذي نرغب في تحقيقه أكثر عمقا، كان علينا أن نثير اهتمام الناس بهذا التغيير ونجعلهم يتّخذون موقفا واعيا إزاءه، فنقنع الملايين وعشرات الملايين من الناس بأنّه ضروري. وإذا كانت ثورتنا قد خلّفت وراءها جميع الثورات الأخرى إلى مسافة بعيدة، فإنّ سبب ذلك يعود أصلا إلى أنّها، عن طريق حكومة السوفيات، قد عبّأت عشرات الملايين من الناس الذين لم يكونوا يهتمّون فيما مضى ببناء الدولة، للمشاركة بدور إيجابي في هذا البناء"32. 
   إنّنا مقتنعون بأنّ سرعة التطوّر في بلادنا، مثلها مثل سرعة التطوّر في الاتّحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، ستتجاوز كثيرا أيّة سرعة بلغها البلدان الرأسمالية. وذلك، كما يقول الشيوعيون الصينيون، يعنى أنّ في وسعنا أن نتقدّم بسرعة القفز إلى أمام. ذلك لأنّنا، كما قال لينين، قد عبّأنا على أوسع نطاق ملايين وملايين من الناس ليشاركوا في بناء بلادنا بأعلى درجة من المبادرة والإبداع عن طريق الأمور التالية : الخطّ العام لحزبنا وهو: بذل أقصى الجهود والتطلّع إلى العلاء، وتحقيق نتائج أعظم، وأسرع، وأفضل، وأكثر اقتصادا في بناء الاشتراكية ؛ ومجموعة السياسات التي ننفّذها الآن بأسرها، المعروفة بـ "السير على قدمين إثنين" – أي التطوير، في وقت واحد، للصناعة والزراعة، للصناعات الثقيلة والخفيفة، للصناعات التي تدار من قبل الحكومة المركزيّة، والتي تدار محلّيا، للمشاريع الكبيرة وأيضا المتوسّطة والصغيرة، للوسائل الحديثة وللوسائل المحليّة للإنتاج؛ وكذلك عن طريق الحركة الجماهيرية الناهضة التي تتّسع في بلادنا حاليّا لابتكارات التكنيكية والثورة التكنيكية لتحقيق المكننة أو شبه المكننة، والأتمتة أو شبه الأتمتة؛ وتدعم تطوّر كوموناتنا الشعبيّة الريفيّة؛ وتعميم الكومونات الشعبية الحضريّة حاليّا. إنّ الصين تطوّر بناءها الاقتصاديّ وفق القوانين العامة للبناء الاشتراكي شأنها في ذلك شأن الاتّحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى؛ وإنّ سلسلة السياسات المحدّدة التي اتّخذتها الصين فيما يتعلّق بمسائل البناء الاشتراكي هي، بالضبط، نتاج دمج الحقائق العامة للينينية بالواقع المحدّد للصين.
   لقد أثار البورجوازيّون في البلدان الغربيّة الذين قادهم جهلهم إلى الدهشة، الصراخ حول الوتيرة العالية للاتّحاد السوفياتي في البناء الاشتراكي. وهم يرفعون الآن، مرّة أخرى، عقيرتهم بالصياح بدون نهاية حول بنائنا الاشتراكي السريع التطوّر، وخطّنا العام، وقفزاتنا الكبرى إلى الأمام، وكوموناتنا الشعبية. وقد وجّه لينين العظيم منذ زمن طويل ضربة قاضية إلى هؤلاء المعتوهين في مقاله المشهور "ثورتنا" الذي كتبه قبل عام من وفاته. فقد أشار لينين:
 "إنّ روسيا التي تقف كما هي الآن، على خطّ الحدود بين البلدان المتمدّنة وجميع البلدان الشرقية أو البلدان غير الأوروبية التي نقلتها هذه الحرب (الحرب العالمية الأولى)، تماما لأوّل مرّة ن إلى طريق المدنيّة، تستطيع، بل يجب أن تكشف عن ظواهر معيّنة خاصة، وهذه الظواهر وإن كانت لا تتعدّى الخطّ العام للتطوّر العالمي، إلاّ أنها تميّز ثورة روسيا عن جميع الثورات السابقة في البلدان الأوربية الغربية، وتدخل ابتكارات جزئيّة معيّنة في المرور إلى البلدان الشرقية". ويطرح لينين السؤال المعاكس التالي :"وكيف يكون الأمر ما دام اليأس التام من الوضع قد زاد قوّة العمّال والفلاّحين بمقدار عشرة أضعاف، وجعل في إمكاننا خلق المتطلّبات الأساسيّة لتطوير الحضارة بطريقة تختلف عن طريقة جميع البلدان الأوروبية الغربية ؟"
   تنبّأ لينين مرّة أخرى: "إنّ أوروبيّينا السذّج لم يخطر ببالهم قط ولوفي الأحلام أن الثورات التالية في البلدان الشرقيّة التي تملك عددا أكبر بكثير من السكّان، وظروفا اجتماعيّة أكثر تعقيدا بكثير، ستظهر، بدون شكّ، صفات مميّزة أعظم ممّا في الثورة الروسية".
    أليس ذلك، بالضبط، ما تدعمه الحقائق؟ ألم يسبق الاتّحاد السوفياتي، باستخدامه طريقة تختلف عن طرق جميع البلدان الغربية، وفي حقبة قصيرة جدّا من الزمن وبسرعة خارقة، جميع بلدان أوروبا الغربيّة الرأسمالية، في مستوى التطوّر الاقتصاديّ، أولم يلحق بالولايات المتّحدة ويبدأ بتجاوزها في بعض الميادين المعيّنة؟ وكذلك الأمر في الصين، أفلم تزد حقيقة كونها "فقيرة وقاحلة"، واليأس التام من الوضع، وعشرات السنين من التمرّس بالنضال والتجربة المتراكمة، بالإضافة إلى مساعدة المعسكر الاشتراكي الجبّار وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي، والفوائد التي تؤخذ من تجربة أربعين سنة من البناء في الاتّحاد السوفياتي - ألم تزد كلّ هذه الأمور أيضا قوّة العمّال والفلاّحين الصينيّين إلى عشرة أضعاف، وتوفّر لنا إمكانيّة استخدام طريقة تختلف عن طرق جميع البلدان الغربيّة، لأن نسير قدما إلى الأمام بسرعة خارقة نحو صناعة حديثة، وزراعة حديثة، وعلم وثقافة حديثين ؟ لقد لعنتنا البورجوازية الغربيّة وحكمت علينا بالفشل، وهناك، بين صفوفنا، في الحقيقة، بعض ببّغاواتها الذين يقولون بأنّ خطّنا العام وقفزاتنا الكبرى إلى الأمام وكوموناتنا الشعبيّة إنّما هي نتاجات الروح الثورية للماركسية - اللينينية. ولكن لندعهم ينتظرون ويرون، لينتظروا عشرة أعوام، مثلا، وبعدها سيرون النتيجة. وباختصار فإنّ السذّج الأجانب والصينيّين برؤوسهم المحشوّة بالأفكار الميتافيزيقية لا يعرفون، كما قال لينين، إلاّ أن يعتبروا "طبيعة" العلاقات البرجوازية قاعدة ذهبيّة لا يمكن مسّها و"قد فشلوا تماما في تفهّم ما هو الشيء الحاسم في الماركسية، ألا وهو ديالكتيكها الثوري". ولهذا، وكما كانوا عاجزين في الماضي عن فهم التغيّرات العظيمة التي حدثت في الاتّحاد السوفياتي، فكذلك هم اليوم عاجزون عن فهم جميع الأمور القويّة الحيّة التي تحدث في الصين.
   والمهمّة الكبرى الثانية للشعب الصيني في الاحتفال بالذكرى التسعين لميلاد لينين هي صيانة السلم العالمي، ومقاومة الحرب الاستعماريّة، بالتعاون مع جميع البلدان الاشتراكية وعلى رأسها الاتّحاد السوفياتي، ومع جميع قوى العالم المحبّة للسلم، وجميع قوى العالم المعادية للاستعمار، والمعادون للعدوان.
   إنّ الماركسية – اللينينية كانت دائما تقاوم الحرب الاستعماريّة. فعشيّة الحرب العالمية الأولى، وأثناءها، كان الشعار الثوريّ للينينيّة، والقادة اليساريّين الآخرين للطبقة العاملة الذين تمسّكوا بالموقف الماركسي، هو تحويل الحرب الاستعماريّة إلى حرب أهليّة، وذلك لوضع حدّ للحرب الاستعماريّة، والوصول إلى السلم. وكان السلم أحد الشعارات الرئيسية لثورة أكتوبر. وبعد انتصار ثورة أكتوبر، أصدر لينين فورَا مرسوم السلام، داعيا إلى سلم عادل. وأعلن لينين بعد ذلك مرارا سياسة التعايش السلمي بين الدولة السوفياتيّة والأمم الأخرى. لقد قام الاتّحاد السوفياتي بجهود هائلة معروفة للعالم، قبل الحرب العالميّة الثانية وبعدها، لصيانة السلم العالمي وإقامة أمن جماعي وتعايش سلمي بين البلدان ذات الأنظمة الاجتماعيّة المختلفة.
   وقد ناضلت جمهوريّة الصين الشعبية، منذ تـأسيسها، مع الاتّحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، بنشاط لصيانة السلم العالمي. فمن 1950 حتى 1953 أرسل الشعب الصيني متطوّعيه إلى الجبهة الكورية، فكافحوا ببطولة إلى جانب الشعب الكوري، بغية إيقاف عدوان الولايات المتحدة، وقد أجبروا جيش العدوان الأمريكي في كوريا على قبول اتّفاقيّة الهدنة، وبذلك صانوا السلم في الشرق الأقصى. وفي عام 1954، اشتركت الحكومة الصينية بنشاط في مؤتمر جنيف الذي عقدت فيه اتّفاقيّة حول إعادة السلم إلى الهند الصينيّة. وفي نفس العام أعلن قادة الحكومة الصينيّة مع قادة الحكومتين الهنديّة والبورميّة، واحدة بعد أخرى، وبصورة مشتركة، المبادئ الخمسة الشهيرة للتعايش السلمي التي ظلّت حجر الأساس في سياسة الصين الخارجية تجاه جميع البلدان ذات الأنظمة الاجتماعية المختلفة. وفي عام 1955 اشتركت الحكومة الصينيّة بنشاط في مؤتمر باندونغ للبلدان الآسيوية والأفريقية الذي عقد في أندونيسيا، والذي أعلن، على أساس المبادئ الخمسة، المبادئ العشرة التي تحدّد العلاقات بين البلدان الآسوية والأفريقية. وفي عام 1958 سحبت الصين كلّ متطوّعيها الشعبيّين من كوريا. واشترك الشعب الصيني دائما وبنشاط في حركة السلم العالمية والآسيوية، ودعا مرارا إلى تحقيق الأمن الجماعي في آسيا ومنطقة المحيط الهادي، وإلى إقامة منطقة فيهما مجرّدة من الأسلحة الذرّية. وتدعو الحكومة الصينيّة باستمرار إلى تسوية النزاعات مع البلدان الأخرى (بما فيها الولايات المتحدة) بالوسائل السلميّة، وليس بوسائل الحرب، وما زالت حتى الوقت الحاضر تجري مفاوضات حول هذه المسألة مع الولايات المتّحدة التي تحتلّ أرض الصين، تايوان.
   لقد ناضلت البلدان الاشتراكية والأحزاب الشيوعية لمختلف بلدان العالم بأسره نضالا ثابتا، في سبيل السلم العالمي والحفاظ عليه. فقد دعا بيان موسكو الذي أُقرّ في اجتماع الأحزاب الشيوعيّة وأحزاب العمّال في البلدان الاشتراكية الذي عقد في موسكو في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1957، وكذلك بيان السلم الذي أقرّه أربعة وستّون حزبا شيوعيا وعمّاليّا، الطبقة العاملة، وجميع الناس المحبّين للسلم في العالم إلى العمل على صيانة السلم؛ وأشار البيانان إلى أنّ هذا النضال هو أهمّ نضال في العالم بأسره في الوقت الراهن. وقد أشير في بياني موسكو إلى أنّه توجد في العالم الآن قوى جبّارة لصيانة السلم، وأنّ تحالف هذه القوى الجبّارة قد وفّر الإمكانيّة العمليّة لمنع انفجار الحرب. ومنذ اجتماع موسكو، تعزّزت قوى السلم أكثر. وذلك، قبل كلّ شيء، لأنّ المعسكر الاشتراكي، وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي قد أصبح أكثر قوّة، فقد سبق الاتّحاد السوفياتي الولايات المتّحدة بصورة أوضح من قبل في الناحية العسكرية، وفي أكثر ميادين العلم والتكنيك أهمّية، وقام رئيس مجلس وزراء الاتّحاد السوفياتي الرفيق ن. س. خروشوف بسلسلة من الزيارات السلمية إلى الولايات المتّحدة والبلدان الرأسمالية الأخرى، وقامت الحكومة السوفياتيّة بجهود هامّة جديدة حول مسائل نزع السلاح وإيقاف تجارب الأسلحة النوويّة وغيرها، إنّ الجهود السلميّة التي يبذلها الاتّحاد السوفياتي، والصين، والبلدان الاشتراكية الأخرى تعطى تأثيرا أعمق فأعمق في أذهان الناس. وفي الوقت نفسه قد ظهرت تطوّرات هامة جديدة في حركات الاستقلال الوطني في آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينية، ونضالات الشعوب في البلدان الرأسمالية في سبيل الديمقراطية والاشتراكية. وتتّسع باستمرار التناقضات الداخلية في المعسكر الاستعمار ي، فجماهير الشعب الواسعة في الولايات المتّحدة نفسها تظهر، في كلّ مكان، استياءً وقلقا حول سياسة الحكومة الخارجية المعادية للسلم؛ ويواجه المستعمرون الأميركيّون صعوبات متزايدة وعزلة متزايدة. وقد أجبرت جميع هذه الظروف الاستعمار الأمريكي، المدبّر الرئيسي لحرب جديدة، على قبول اقتراح محادثات الذروة بين الشرق والغرب، وعلى تغيير نغمته في مناسبات معيّنة مدّعيا بأنّه أيضا "يرغب في السلم". وقد أثبتت الحقائق أن قوى السلم في العالم تفوق قوى الحرب، وهذا هو مظهر حقيقة أنّ " الريح الشرقية تتغلّب على الريح الغربية " كما يقول الرفيق ماوتسى تونغ.
   إنّ الريح الشرقيّة تتغلب على الريح الغربيّة، وهذا هو الوضع العالمي الجديد في الآونة الراهنة. وهو يختلف، بصورة أساسيّة، عن الوضع في حياة لينين، وعن الوضع عشيّة الحرب العالمية الثانية. ومن الضروري تماما إدراك هذا الوضع الجديد في النضال ضد مشروع الحرب الجديدة الاستعماريّة. وهذا الوضع الجديد قد أعطى ثقة وشجاعة لم يسبق لهما مثيل لجميع القوى المحبّة للسلم، وجميع القوى المعادية للاستعمار، والمعادية للعدوان في العالم بأسره. ولكن لا يمكن أن نقول مطلقا إنّ هذا التغيّر في ميزان القوى قد غيّر طبيعة الاستعمار، ولذلك فإنّه قد قضى تماما على إمكانيّة أيّ حرب في حياة المجتمع الحديث، أو أنّ البشرية قد دخلت عصر السلم الأبدي.
   لقد أكّدت اللينينية دائما أن الاستعمار هو مصدر الحرب الحديثة. وقد قال لينين إنّ "الحرب الحديثة هي حصيلة الاستعمار"33 وإنّ الحرب "تنبعث من طبيعة الاستعمار نفسه"34 وآراء لينين هذه ذات الأهمّية المبدئية الأساسية هي نتيجة تحليل علمي عميق للاستعمار؛ وقد أثبت حقائق تاريخيّة لا تحصى أنّ هذا التحليل العلمي حقيقة لا تتزعزع. وقد أورد اجتماع موسكو للأحزاب الشيوعية وأحزاب العمّال، الذي عقد منذ أكثر من عامين، آخر الحقائق لإثبات مبدأ لينين هذا. يقول بيان اجتماع موسكو: "طالما يبقى الاستعمار فستكون هناك تربة للحروب العدوانية. وخلال سنوات ما بعد الحرب الماضية، شنّ المستعمِرون الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون والمستعِمرون الآخرون وعملاؤهم، أولا يزالون يشنّون، حروبا في الهند الصينيّة، وأندونيسيا، وكوريا، والملايو، وكينيا، وغواتيمالا، ومصر، والجزائر، وعمان واليمن. وفي نفس الوقت ترفض القوى الاستعماريّة العدوانيّة بعناد نزع السلاح، وتحريم استخدام وإنتاج الأسلحة الذرّية والهيدروجينية، والتوصّل إلى اتّفاقيّة حول الوقف الفوري لتجارب هذه الأسلحة. وما زال المستعمِرون يواصلون "الحرب الباردة" وسباق التسلّح، ويبنون المزيد من القواعد العسكرية، ويتّبعون السياسة العدوانيّة، سياسة نسف السلم، وقد خلقوا بذلك خطر حرب جديدة. فإذا ما انفجرت حرب عالميّة قبل التوصّل على اتّفاقيّة حول تحريم الأسلحة النوويّة، فإنّ من المحتّم انّها ستكون حربا نوويّة لم يسبق لها مثيل في القوّة التخريبيّة.
" وفي ألمانيا الغربية يجرى إحياء العسكرية بمساعدة الولايات المتّحدة وبذلك خلق مصدر لخطر جدّي للحرب في قلب أوروبا...
" وفي الوقت نفسه يحاول المستعمرون فرض "مبدأ دالس- أيزنهاور" المشهور بسمعته السيّئة على شعوب الشرقين الأدنى والأوسط المحبّة للحرّية، خالقين بذلك خطرا على السلم في هذه المنطقة...
 "وكتلة الناتو العدوانيّة خلقت خطرا للحرب في جنوب شرقي آسيا".
   ويقول بيان السلام للأربعة وستّين حزبا شيوعيا وعمّاليّا: "إنّ قوى السلم قوى جبّارة، وباستطاعتها منع الحرب وصيانة السلم. ولكنّا نحن الشيوعيّون، نعتقد بأنّه من واجبنا أن نحذّر جميع الناس في العالم بأنّ خطر حرب مريعة مبيدة لم يزل.
" فمن أين يأتي التهديد لسلم ولأمن الشعوب؟ إنّ الذي يتحّمس للحرب ويحلم بها هو: الاحتكارت الرأسمالية التي كدّست ثروات لم يسبق لها مثيل من الحربين العالميّتين، ومن سباق التسلّح الراهن. إنّ سباق التسلّح الذي يوفّر الأرباح الطائلة للرأسماليين الاحتكاريّين يرهق أكثر فأكثر كاهل الشغّيلة بالأعباء الثقيلة، ويجعل اقتصاد كثير من البلدان سيّئا بشكل خطير. إنّ الأوساط الحاكمة لبعض البلدان الرأسمالية، تحت ضغط الاحتكارات، وخصوصا احتكارات الولايات المتّحدة، قد رفضت مقترحات نزع السلاح، وتحريم الأسلحة النوويّة، والتدابير الأخرى الرامية على درء حرب جديدة...
" إنّ السلم يمكن الحفاظ عليه فقط إذا كان، كلّ أولئك الذين يعزّ عليهم السلم، يوحّدون جهودهم، ويشحذون يقظتهم فيما يتعلّق بمكائد مثيري الحرب، ويدركون تماما بأنّ واجبهم المقدسّ هو تشديد النضال من أجل صيانة السلم المهدّد ".
   ويتّضح من هذا أنّ المبدأ اللينيني القائل بأنّ الاستعمار هو مصدر الحرب الحديثة، ليس، ولا يمكن أن يكون مطلقا، "قد فات أوانه". فطالما أنّ الاستعمار موجود، فلا يمكن تخفيف اليقظة ضد خطر الحرب. ومن هذا الموقع الأساسي يقوم الشعب الصيني بالنضال لصيانة السلم العالمي ومقاومة الحرب الاستعماريّة. وإنّنا نرحب بكلّ خطوة في انفراج الوضع الدولي، ونرحب بالجهود المخلصة للسلم من جانب أي بلد (بما في ذلك الولايات المتحدة)، وفي الوقت نفسه نطلع الأمّة بأسرها، ونطلع الرأي العام العالمي، في حينه، على النشاطات المنكرة للمستعمِرين الذين يواصلون تدبير المؤامرات لحروب جديدة، ونثير انتباههما، ونشير إلى أنّه إذا ما توحّدت جميع قوى السلم في العالم مع بعضها بعضا، فإنّ باستطاعتها أن تطغى على قوى الحرب، وأنّ لنضالنا مستقبلا وضاءا. لقد قمنا بهذا في الماضي، وسنواصل العمل كذلك في المستقبل.
   إنّ الاستعمار الأميركي لا يضمر غير الحقد لمجهود المعسكر الاشتراكي، وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي، من أجل السلم. وهو يعلن جهارا سياسة العداء لجمهورية الصين الشعبية، ويهاجم بصفاقة الموقف العادل للشعب الصيني في صيانة السلم العالمي ومقاومة الحرب الاستعماريّة. وقد قام الشعب الصيني، في حينه، بفضح حقيقة أنّ حكومة الولايات المتّحدة التي يرأسها أيزنهاور، ما تزال منذ محادثات كامب دافيد بين الرفيق خروتشوف وأيزنهاور في أيلول (سبتمبر) الماضي، تواصل العمل بنشاط لزيادة التسلّح والاستعدادات للحرب، وتوسيع عدوانها. وقد نشر الناطقون باسم الاستعمار الأميركي الافتراء القائل بأنّ الشعب الصيني لا يبدو متحمّسا لانفراج الوضع الدولي، ولكن هذه الفرية شائنة أكثر من أن توصف بالكلمات. ولمّا كانت حكومة الولايات المتّحدة، وأيزنهاور نفسه في حقيقة الواقع، غارقين في زيادة التسلّح، والاستعدادات للحرب، وتوسيع العدوان، الأمر الذي يتعارض مع مطلب انفراج الوضع الدولي، فما فائدة إخفاء هذا الأمر أو حتى تبييضه وتجميله وإطرائه بالنسبة إلى الوضع الدولي؟ إنّ هذا، على العكس، سيجعل مسبّبي التوتّر أكثر طيشا وجموحا.
   إنّ الحقائق تغني عن كلّ بيان. فلنلق فقط نظرة على أقصر موجز لأقوال حكومة الولايات المتحدة وأيزنهاور وأفعالهما ضد السلم منذ محادثات كامب دافيد في أيلول (سبتمبر) الماضي :
   ففي 16 تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 1959 قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية إندروه بيردينغ، في خطاب له، أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع قبول التعايش السلمي، لأنّ ذلك سيعني قبول الحالة الراهنة للمعسكر الاشتراكي.
 وفي 21 تشرين الأوّل (أكتوبر) استصدرت الولايات المتحدة بالضغط قرارا غير شرعي حول ما يدعى بـ "مسألة التيبت" عن طريق الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة، متدخّلة بذلك في شؤون الصين الداخليّة، ومفترية على سحق الحكومة الصينيّة لعصيان الفئة الرجعية من مالكي الأقنان في منطقة التيبت.
 وفي 22 تشرين الأوّل (أكتوبر) أصدرت نظارة الخارجية الأمريكية بيانا بمناسبة مرور ثلاثة أعوام على العصيان المعادي للثورة في المجرّ تطعن فيه بالحكومتين المجرّية والسوفياتيّة، و"تمجّد" العناصر المعادية للثورة التي قامت بالعصيان.
 وفي 3 تشرين الثاني (نوفمبر) وعندما تظاهر الشعب في منطقة قناة باناما من أجل استعادة سيادة باناما على منطقة القناة، قمع جيش الاحتلال الأميركي الشعب المتظاهر وجرح أكثر من 120 من الباناميّين.
 وفي 13 تشرين الثاني ( نوفمبر ) قال نائب رئيس الولايات المتّحدة نيكسون :" إنّ الدول الغربيّة لا تستطيع قبول ما يدعوه السوفيات التعايش السّلمي".
 وفي 22 تشرين الثاني (نوفمبر) نشر ناظر الخارجية الأميركية هيرتر مقالا في مجلة "باريد" الأميركيّة يشنّع بالاتّحاد السوفياتي زاعما أن له " نوايا عدوانيّة " وأنّه ينفّذ " حملة توسعيّة".
 وفي 27 تشرين الثاني (نوفمبر) أصدرت نظارة الخارجية الأميركية بيانا تطعن فيه بألبانيا زاعمة بأنّها " خاضعة للسيطرة السوفياتية ".
 وفي الأول من كانون الأوّل (ديسمبر) زار ايزنهاور أحد عشر بلدا في أوروبا وآسيا وأفريقيا بغرض توسيع الحرب الباردة. وقد دقّ خلال زيارته وبكلّ قوّته الطبول لتعزيز الأحلاف العسكرية الغربيّة قائلا بأنّ "حلف شمالي الأطلسي يبقى حجر الزاوية في سياستنا الخارجية"، وأنّ الولايات المتّحدة لا تستطيع التخلّي عن حلف الناتو، كما عمل بنشاط على توسيع شبكة قواعد القذائف الموجّهة الأميركية في الخارج.
 وفي 9 كانون الأول (ديسمبر) استصدرت الولايات المتّحدة بالضغط قرارا حول المسألة الكوريّة عن طريق الجمعيّة العموميّة للأمم المتّحدة. وبالرغم من النداء الذي أصدره المجلس الشعبي الأعلى للجمهورية الديمقراطية الشعبيّة الكوريّة في 27 تشرين الأوّل ( أكتوبر)، فإنّها رفضت سحب القوّات الأميركية من جنوبي كوريا وتحقيق توحيد سلمي للبلاد، وأكثر من ذلك أصرّت على إجراء ما دعي "الانتخابات الحرّة" في كوريا تحت "إشراف" الأمم المتّحدة التي كانت أحد الطرفين المتحاربين.
 وفي نفس اليوم استصدرت الولايات المتّحدة بالضبط، عن طريق الجمعيّة العمومية للأمم المتحدة قرارا حول ما يدعى "المسألة المجريّة"، يشكّل تدخّلا في شؤون المجرّ الداخلية.
 وفي 15 كانون الأوّل ( ديسمبر ) قدّم هيرتر "مشروع عشر سنوات" إلى اجتماع مجلس حلف الناتو( الأطلسي ) مطالبا كتلة الناتو أن تكون لها "القوّة الرادعة" لأنّ تشنّ حربا واسعة النطاق، و"المرونة الكافية" لشنّ حروب محلّية.
 وفي 24 كانون الأوّل ( ديسمبر) دفعت الولايات المتّحدة حفنة من أشدّ العناصر الموالية لها في لاووس للقيام بانقلاب عسكري وتوسيع الحرب الأهليّة في لاووس بشكل أكبر.
 وفي 29 كانون الأوّل (ديسمبر) أعلن أيزنهاور بأنّه ابتداءً من أوّل كانون الثاني (يناير) 1960 ستصبح الولايات المتّحدة "حرة في إستئناف تجارب الأسلحة النوويّة".
 وفي 7 و18 كانون الثاني (يناير) عام 1960 قدّم أيزنهاور رسالتيه عن دولة الاتّحاد والموازنة مطالبا الولايات المتحدة بـ "تخصيص أي حصة من مواردها" تكون ضروريّة لتأمين "قوّة رادعة" وحدّد النفقات العسكرية للسنة المالية 1961 بأكثر من 455000 مليون دولار، أي 57،1 بالمئة من مجموع الموازنة. وشنّع على البلدان الاشتراكية في رسالته عن دولة الاتّحاد زاعما أنّها "دول بوليسية"، وعلى الاتّحاد السوفياتي بأنّه "الشيوعية الاستعماريّة"، وعلى المعسكر الاشتراكي بأنّه "نظام الأتباع المتجهّمين".
 وفي 15 كانون الثاني (يناير) قال نيكسون: "في ظلّ أيّة ظروف، لا يجوز للولايات المتّحدة وحليفاتها أن تخفض من قوّاتها ".
 وفي 19 كانون الثاني (يناير) وقّعت في واشنطن "معاهدة التعاون والأمن المتبادلين" بين اليابان والولايات المتّحدة. وهذه المعاهدة العدوانية للتحالف العسكري، موجّهة رأسا ضد الصين، والاتّحاد السوفياتي، والجمهورية الديمقراطية الشعبية الكوريّة، وهي تهدّد سلم جميع البلدان الآسيويّة وأمنها.
 وفي 3 شباط (فبراير) أعلن ايزنهاور في مؤتمر صحفي قائلا: "لا أعرف أي شيء عن روح كامب دافيد" وأشار أيضا إلى أن الولايات المتّحدة ستزوّد حليفاتها بالمعلومات السرّية حول الأسلحة النوويّة.
 وفي 5 شباط ( فبراير) أصدرت نظارة الخارجية الأمريكية بيانا ترفض فيه مرّة أخرى اقتراح اجتماع أعضاء حلف وارسو، القائل بأن توقّع منظمة معاهدة وارسو وكتلة الناتو معاهدة عدم اعتداء متبادل.
 وفي 15 شباط (فبراير) أصدر هيرتر بيانا ذهب فيه إلى حدّ إثارة المطالبة بأن "تتمتّع مرّة أخرى بالاستقلال الوطني" ثلاث جمهوريات من جمهوريات الاتّحاد السوفياتي هي: ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا.
 وفي 16 شباط (فبراير) قال أيزنهاور في رسالته "الأمن المتبادل" أنّ "حقيقة التخفيضات في القوّات السوفياتية العسكرية، إذا كانت حقيقة، فإنّها لا تغيّر ضرورة الاحتفاظ بدفاعنا الجماعي" وإنّها "لحماقة كبيرة أن نتخلّى أو نضعف مركزنا للقوّة الرادعة المشتركة ". وقال أيضا: بالنسبة للولايات المتحدة فإنّها "...تحتاج إلى مثابرة راسخة، صابرة، وبغير ضجّة في بذل جهودنا للتمسّك بدفاعاتنا المشتركة". وأعلن أنّ 2000 مليون دولار هي مخصّصات المساعدة العسكرية الأجنبيّة للسنة المالية الجديدة، أي بزيادة 700 مليون دولار بالنسبة للسنة الفائتة.
 وفي 17 شباط (فبراير) ذكر أيزنهاور في تقريره عن الوضع في الشرق الأوسط، بأنّ الولايات المتّحدة ستواصل احتلال أرض الصين، تايوان، وإنّه ما زال "يأمل" بأنّ الصين الجديدة "ستنهار"، وأكثر من ذلك، فقد ذكر بأنّ الولايات المتحدة ستتّبع "سياسة ترمي إلى معاكسة نمو قوّة (الصين) هذه"، و"تتمسّك بالتدابير الرامية إلى مقاومة هذه القوّة ".
 وبين 22 شباط (فبراير) و3 آذار (مارس) قام أيزنهاور بزيارة أميركا الجنوبية مدافعا عن تعزيز "نظام القارّة الأميركية بكاملها"، مادحا مؤتمر سانتياغو لوزراء خارجيّة منظّمة الدول الأميركيّة الذي عقد في آب (أغسطس) من العام الماضي، والذي كان يهدف إلى التدخّل في كوبا. وأكثر من ذلك، فقد ذكر بأنّ الولايات المتّحدة ستواصل التمسّك بما يدعى "مبدأ مونرو" الذي يعتبر أنّ القارة الأميركية تتبع الولايات المتّحدة.
وفي 26 شباط (فبراير) وبعد إرسال القذائف الموجّهة باستمرار إلى كوريا الجنوبية انتهاكا لاتّفاقيّة الهدنة الكوريّة، أطلقت الولايات المتّحدة علنا قذيفة موجّهة من نوع "ماتادور" في أوزان في كوريا الجنوبية.
 وفي 29 شباط (فبراير) رفضت الولايات المتّحدة، في مذكّرة جوابيّة إلى الحكومة الكوبيّة، طلب الحكومة الكوبيّة بأن تمتنع الولايات المتّحدة عن اتّخاذ التدابير التي يمكن أن تضرّ بالشعب الكوبي، وذلك كشرط ضروريّ لاستئناف المحادثات الأميركية – الكوبية. ومضت تهدّد معلنة أنّ الولايات المتحدة تبقي حرّة في اتّخاذ "أيّة خطوات" تراها ضروريّة. وقبل هذا وبعده كانت الطائرات الأميركية تضرب كوبا بالقنابل باستمرار. واستنادا إلى بيان 14 آذار (مارس) الذي أصدره رئيس الوزراء الكوبي، كاسترو، فإنّ الطائرات الأميركية أغارت على كوبا أكثر من أربعين مرّة.
 وفي 9 آذار (مارس) قال مساعد ناظر الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية ج.س. ساترثوايت، بأنّ الولايات المتحدة لها "مصالح سياسيّة وعسكريّة خاصة" في شمال أفريقيا. وقال: "ومن المهمّ جدّا أيضا أن تبقي الولايات المتّحدة على حقوقها في استخدام قواعد هامة معيّنة لها في أفريقيا؛ وأن تواصل الولايات المتّحدة وحليفاتها الحصول على موارد واسعة من المواد الهامة في أفريقيا، وبصورة رئيسية المواد المعدنيّة". وذكر أيضا أنّ ثمة حاجة "للتنسيق بين نهوض القومية (في أفريقيا) وطرق الانتقال المنظّم من الماضي إلى المستقبل ".
 وفي 16 آذار (مارس) بدأت الولايات المتّحدة وطغمة شيانغ كاي شيك مناورات عسكرية واسعة النطاق في مضائق تايوان اشترك فيها 50000 من القوّات الأميركية. وقال أيزنهاور في نفس اليوم، وهو اليوم التالي لإصدار البيان المشترك بين أيزنهاور وأيدناور، "لقد اتّفقنا على أنّه لم يكن هناك تغيير في السياسة من أي جانب من الجانبين" وقال "إنّنا لن نتخلّى عن حقوقنا في برلين ".
 وفي 21 آذار (مارس) اعتدت السفن الحربية الأميركية مرّة أخرى على مياه الصين الإقليمية. وأصدرت الحكومة الصينية تحذيرها الخطير الـ 93 للولايات المتّحدة. وفي الفترة منذ تشرين الأوّل (أكتوبر) 1959 حتى هذا الوقت اعتدت الولايات المتحدة على المياه والأجواء الإقليمية للصين 21 مرّة.
 وفي 30 آذار (مارس) أكّد أيزنهاور بأنّه حتى لو وافقت الولايات المتّحدة الآن على توقيع اتّفاق لإيقاف التجارب النوويّة بصورة مؤقّتة، فإنّ هذا لا يلزم الرئيس الأميركي التالي. وقال بأنّ "أي خلف له الحقّ في أن يمارس رأيه في هذا الأمر". وسار هيرتر شوطا أبعد من ذلك فقال في الثامن من نيسان (ابريل) إنّه من وجهة النظر القانونية فإنّ "مقدرة أيزنهاور على ربط الولايات المتّحدة بالتزامات لفترة أطول من الزمن" " تبقى محصورة خلال فترة رئاسته فقط ".
 وفي 4 نيسان (ابريل) صادق أيزنهاور رسميّا على مشروع التطوير العاجل للقذائف البالستية العابرة للقارات، والغواصات النوويّة التي تطلق القذائف الصاروخية من نوع "بولاريس". وتفيد الأنباء أن حكومة الولايات المتحدة تستعدّ لزيادة عدد القذائف الصاروخية العابرة للقارات المقرّر إنتاجها خلال ثلاث سنوات من 270 قذيفة إلى 312، وعدد الغواصات النوويّة من 7 إلى 40.
 وفي 9 نيسان ( أبريل) جعجع ر. س. بنسون، قائد قوّة الغواصات التابعة للأسطول الأميركي في المحيط الهادي، بأنّ الولايات المتّحدة ستستخدم 30 غوّاصة من الغواصات النوويّة التي تطلق القذائف الصاروخيّة من نوع "بولاريس" لتطويق الاتّحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى.
 وفي 14 نيسان (ابريل) عارض إيتون مندوب الولايات المتحدة في اجتماع لجنة الدول العشر لنزع السلاح، الاقتراح الذي تقدّمت به البلدان الاشتراكية، بأن تتعهّد جميع الأمم التي تملك الأسلحة النوويّة بأنّ لا تكون البادئة باستخدامها، وأكّد مرّة أخرى بأنّ الولايات المتّحدة لا تستطيع أن تقبل الاقتراح السوفياتي لنزع السلاح العام الشامل.
 وفي 20 نيسان (ابريل) ألقى ديلون وكيل نظارة الخارجية الأمريكية خطابا هاجم فيه سياسة الاتّحاد السوفياتي الخارجية، وطعن بالاتّحاد السوفياتي زاعما بأنّه يبيّت "مطامع توسعية". وقال "إن تعبير "التعايش" هو في الحقيقة تعبير مخيف ومستهجن". وإنّه يجب أن "يقذف في سلّة المهملات".. وراح يهذى حول "إبقاء وتعزيز" قوّة الولايات المتحدة العسكرية ونظام كتلها العدوانيّة العسكريّة.
 وفي نفس اليوم قام العصاة في فنزويلا الذين تؤيّدهم الولايات المتّحدة بتمرّد مسلّح محاولين الإطاحة بالحكومة الفنزويليّة.
   إنّ الحقائق المدوّنة هنا، بالطبع، بعيدة عن أن تستنفد، وهي تستند فقط إلى معلومات نشرتها علنا حكومة الولايات المتحدة والصحف والمجلات الأميركية. ومهما يكن من أمر، فإنّنا نودّ أن نسأل: أ ليست كلّ هذه حقائق؟ أ وليست هذه هي الحقائق الأساسية لسياسة الولايات المتّحدة الراهنة؟ وهل يمكن أن يقال بأن هذه الوقائع في سياسة الولايات المتحدة ليست إلاّ مخلّفات تافهة غير مهمّة من العهود السابقة؟ طبيعي أنّ الحقائق لا تؤيد هذا. فالحقيقة هي أنّنا، حتى بعد محادثات كامب دافيد، وحتى عشيّة مؤتمر الذروة بين الشرق والغرب، لا نرى أبدا أي تغيّر جوهري في السياسة الحربيّة للاستعمار الأميركي، ولا في السياسة التي تتّبعها حكومة الولايات المتّحدة وأيزنهاور شخصيّا. فالاستعمار الأميركي ليس فقط يبذل قصارى جهوده لتوسيع قوّته العسكريّة العدوانيّة، ولكنّه أيضا يساعد قوى العسكريّة في ألمانيا الغربيّة واليابان بشكل محموم، ويحوّل هذين البلدين إلى بؤرة حرب جديدة. ويجب أن يفهم أنّ كلّ هذا يؤثّر على مصير الجنس البشري بأسره. وإنّها لضرورة لازمة، مقاومة العسكريّة في ألمانيا الغربيّة واليابان، والعسكرية التي تغذى من قبل الولايات المتحدة في البلدان الأخرى، ولكن سياسة الحرب التي ينتهجها الاستعمار الأميركي هي التي تلعب الآن وقبل كلّ شيء، الدور الحاسم في كلّ هذا. والتغاضي عن هذه النقطة، هو تغاض عن جوهر الأمر وأصله. ولذلك، فإن لم تركّز الشعوب المحبّة للسلم في العالم بأسره قوّتها على مواصلة فضح سياسة الحرب التي تنتهجها سلطات الولايات المتحدة فضحا حازما، وإذا لم تخض نضالا دؤوبا ضدّها، فإنّ النتيجة ستكون حتما كارثة فادحةّ.
   فكيف يحقّ للشعب الصيني الذي يقف في الصفوف الأمامية للنضال من أجل السلم سويّة مع شعوب الاتّحاد السوفياتي، والبلدان الاشتراكية الأخرى، أن يلوذ بالصمت حول جميع هذه الحقائق؟ وأيّ حق لنا في أن ندع الأميركيين يقترفون، ويقولون، ويعرفون كلّ هذه الأمور، وأن لا ندع شعوب الصين والبلدان الأخرى تعرف حقيقة الأمور؟ فهل ممّا يسيء إلى السلم، ويزيد التوتّر، أن نوضح الوضع الحقيقي للأمور إلى الرأي العام الصيني والعالمي، وممّا يساعد السلم ويخفّف التوتّر أن نخفي الحقيقة فقط؟ وهل بهذه الطريقة "يصان" السلم حسب منطق المستعمِرين الأمريكيّين؟ أو هل هذا هو "السلم في الحرّية" الذي أشار إليه أيزنهاور ومن هم على شاكلته؟
   إن المستعمِرين الأمريكيين، الذين يدبّرون بنشاط حربا جديدة، يأملون حقّا أن نخفي الوضع الحقيقي للأمور؛ ويأملون أن نتخلّى عن وجهة نظر الماركسية - اللينينية، وأن نؤمن بأّنّ طبيعة الاستعمار يمكن أن تتغيّر، أو حتى أنّها قد تغيّرت؛ ويأملون أن نفعل في النضال لصيانة السلم العالمي كما يفعل المسالمون البورجوازيون تماما، أي يأملون ألاّ نعبئ ولا نعتمد على أوسع الجماهير الشعبيّة التي تقف ضد الاستعمار، وضد الحرب الاستعماريّة، وضد العدوان الاستعمار ي، ويأملون أن نبالغ قدر الإمكان في تقدير إيماءات السلم التي أجبرت القوى الاستعماريّة العدوانيّة على إظهارها، وأن نجعل الجماهير غافلة، أو أن نبالغ في تقدير القدرة الحربيّة للقوى الاستعماريّة العدوانيّة، وبذلك نوقع الجماهير الشعبية في هلع. وباختصار فإنّ المدبّرين لحرب جديدة يأملون أن نتظاهر مثلهم بأنّنا نريد السلم أو أن نريد سلما زائفا، حتى يتمكّنوا فجأة من فرض الحرب على الشعوب، تماما كما فعلوا في الحربين العالميّتين الأولى والثانية.
   ولكن، اِسمعوا أيّها المدبّرون لحرب جديدة! إنّ آمالكم لن تتحقّق أبدا. فطالما أنّنا نريد السلم حقّا، ونريد سلما حقيقيّا، فإنّنا لن نقع أبدا في شرككم. ويجب علينا أن نواصل فضح جميع مؤامرات المستعمِرين الأميركيين والمستعمِرين الآخرين ومكائدهم التي تضرّ السلم، وأن نبذل أقصى ما في وسعنا لتعبئة الجماهير الواسعة التي تقف ضد الاستعمار والحرب الاستعماريّة والعدوان الاستعماري، وكي تخوض نضالا عنيدا ضد المدبّرين لحرب جديدة، ونجعلها تحتفظ، في هذا النضال، بيقظة عالية وثقة قوّية، وأن نكافح، إلى النهاية، لمنع حرب جديدة. وبهذا فقط نكون، فعلا، نرغب في السلم، ونحصل على سلم حقيقيّ. وبغير ذلك نكون مدّعين برغبتنا في السلم، أو أنّنا لا نحصل إلاّ على سلم زائف.
  ومع أنّ طبيعة الاستعمار، كما قلنا سابقا، لا يمكن أن تتغيّر، فإنّنا واثقون تماما بأنّه إمّا واصلت القوى الجبّارة المدافعة عن السلم خوض نضال موحّد حازم، فإنّ بوسعها حتما أن تقيم صفّا من الحواجز يمنع المستعمِرين من اقتراف ما يريدون، حسب ما تمليه عليهم طبيعتهم. وأكثر من ذلك، ففي حالة الطوارئ، كما جاء في بيان موسكو: "...إذا ما غامر مجانين الحرب المستعمِرين، بالرغم من كلّ شيء، بشنّ حرب، فإنّ الاستعمار سيحكم على نفسه بالدمار، لأنّ الشعوب لن تصبر بعد الآن على النظام الذي يسبّب لها تلك الآلام القاسية ويستلزم منها التضحيات الفادحة".
   ولقد كان من الضروري حتما، أن يشير بيان موسكو إلى هذا. ولم يكن ذلك ليضعف أفق السلم بل ليعزّزه. لأنّه بهذا فقط لا تتجرّد شعوب مختلف البلدان من تسلّحها المعنوي، ولا تخضع لتهويل مجانين الحرب وتهديدهم، ولا تقع في الذعر والحيرة إذا ما انفجرت الحرب، لسوء الحظّ، في النهاية.
   إنّ المرونة، والصبر، والتفهّم المعيّن، والمصالحة المعيّنة هي أمور ضرورية للتوصّل إلى التعايش السلمي بين البلدان ذات الأنظمة الاجتماعيّة المختلفة. وإنّ الشعب الصينيّ في نضاله ضد الأعداء الداخليّين والخارجيّين، لم يرفض في الماضي إجراء تسويات لا تضرّ بالمصالح الأساسيّة للشعب، ولن يرفض القيام بذلك في المستقبل. وإنّ الشعب الصيني يؤيّد بحرارة جهود الرفيق خروتشوف والحكومة السوفياتية فيما يتعلّق بمحادثات الذروة بين الشرق والغرب، وهو أكثر من ذلك، يأمل أن تغيّر الحكومة الأميركية الموقف المتعنّت الذي اتّخذته حتى الآن، وبذلك جعل من الممكن للمحادثات أن تتوصّل إلى الاتّفاقيات التي تنتظرها الشعوب، حول مسائل نزع السلاح، ووقف تجارب الأسلحة النوويّة، ومسألتي برلين الغربية وألمانيا، ومسألة انفراج الوضع الدولي.
   ولكن النضال من أجل السلم العالمي هو نضال طويل الأمد، فالاستعمار لن يقبل بسهولة أيّة اتّفاقيّة مؤاتية للسلم. وأكثر من ذلك، فإنّ ما لا يحصى من الحقائق التاريخيّة يثبت أن ما يوافق عليه المستعمِرون يمكن أن ينقضوه أيضا في أيّ وقت يشاءون. ولذلك فالنضال ضروري سواء للتوصّل إلى اتّفاقيات في صالح السلم، أو التمسّك بهذه الاتّفاقيات لدى التوصّل إليها، وقد أصاب لينين إذ قال:
 "لقد انتشر الآن النضال من أجل السلم؛ وهذا نضال صعب. فمن يظنّ أنّ من السهولة إحراز السلم، ومن يظنّ أنّه ما علينا إلاّ أن نذكر السلم حتى يقدّمه لنا البرجوازيّون على طبق، فهو شخص ساذج تماما. ومن يحاول أن يعزو هذا الرأي إلى البلاشفة فإنّه يمارس الخداع. والرأسماليون يستميتون في القتال بغية اقتسام الغنائم. فمن الواضح أن سحق الحرب هو قهر رأس المال. وبهذا المعنى بالضبط بدأت الحكومة السوفياتية النضال"35.
   وبسبب أن الحرب الحديثة هي حصيلة طبيعة الاستعمار، وأنّ طبيعة الاستعمار لا يمكن أن تتغيّر، لهذا السبب بالذات، فإنّ النضال لتحقيق السلم العالمي وصيانته، هو بالضرورة، نضال مديد معاد للاستعمار. ولهذا فإنّ نشر نظريّة لينين عن الاستعمار بصورة متكرّرة، وفضح جوهر الاستعمار، وجميع حيله الخادعة، أصبح مهمّة ملحّة في قضيّة السلم في الوقت الراهن.
 فما دام الاستعمار هو مصدر الحرب الحديثة، فإنّ من الضروري، في النضال من أجل السلم العلمي، الاتّحاد مع جميع القوى التي تقف ضد الاستعمار ، والحرب الاستعماريّة، والعدوان الاستعمار ي. وقد نصّ بيان موسكو: "إنّ الذي يصون قضية السلم هو هذه القوى الجبّارة لعصرنا: معسكر البلدان الاشتراكية الذي لا يقهر، وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي ؛ وبلدان آسيا وأفريقيا الشغوفة بالسلم والتي تأخذ موقفا معاديا للاستعمار وتشكل سويّة مع البلدان الاشتراكية منطقة سلم واسعة؛ والطبقة العاملة العالمية، وفوق كلّ شيء طليعتها – الأحزاب الشيوعية؛ وحركة تحرّر شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات؛ وحركة السلم الجماهيريّة لشعوب العالم. إنّ القوى التي تقاوم بحزم مشاريع حرب جديدة هي، إلى جانب القوى المذكورة آنفا، شعوب البلدان الأوروبية التي أعلنت الحياد؛ وشعوب اميركا اللاتينية، والجماهير الشعبية في البلدان الاستعماريّة. وإنّ تحالف هذه القوى الجبّارة يستطيع منع الحرب ".
   إنّ المستعمِرين، وخصوصا المستعمِرين الأميركيين، لا يدعون حجرا إلاّ ويقلبونه، في محاولتهم لشقّ هذا النضال الموحّد. إنّهم يحلمون بوضع النضال من أجل السلم العالمي في موضع مضاد لحركات الاستقلال الوطني في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، ولنضالات الشعوب من أجل الحرّية والديمقراطية والاشتراكية. ويحاورون بأنّه طالما أن السلم مرغوب فيه، فإنّ الأمم المضطهَدة يجب أن لا تقاوم العدوان، والشعوب المستغلّة يجب أن لا تهبّ إلى الثورة. حتى أنّهم يقولون إنّ من واجب البلدان الاشتراكية، فيما يظهر، أن تمنع شعوب البلدان الأخرى من القيام بالثورة. إنّ كلّ هذا محض هراء. إنّ الماركسيين - اللينينيّين، كما يعرف كلّ إنسان، قد آمنوا دائما بأنّ الثورة، بالنسبة إلى الأمم المضطهَدة أو الشعوب المستغلّة، لا يمكن أن تصدّر. وكذلك لا يقدر أحد ولا يحقّ له أن يمنع الثورة. فالثورات الحديثة تنبع بصورة أساسيّة من العدوان والاضطهاد والنهب الاستعماري للأمم المتأخّرة والجماهير الشغيلة داخل البلدان الاستعماريّة نفسها. ولهذا وطالما أنّ الاستعمار لن يتخلّى عن عدوانه، واضطهاده، ونهبه، وطالما أن الاستعمار يبقى استعمارا، فإنّ الشعوب المضطهَدة في مختلف البلدان لن تتخلّى عن ثوراتها الوطنية، وثوراتها الاجتماعية.
   إنّ البلدان الاستعماريّة لم تتوقّف حتى هذه اللحظة عن التدخّل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، بما فيها البلدان الاشتراكية، وهي مع ذلك تروّج كذبا أنّ البلدان الاشتراكية تتدخّل في شؤون البلدان الأخرى الداخليّة. وبالطبع، فإنّ البلدان الاشتراكية لا تتدخّل في شؤون البلدان الأخرى، بما فيها البلدان الاستعماريّة. ومع ذلك، فإن الدول الاستعماريّة تحاول الآن إجبار أو إغراء البلدان الاشتراكية على مساعدتها للتدخّل في شؤون البلدان الأخرى الداخليّة، أليس هذا بطلان إلى أقصى الحدود ؟
   وطالما أنّ الاستعمار باق، ويواصل انتهاج سياسات العدوان، والاضطهاد، والنهب، بوسائل العنف، فإنّ البلدان الاشتراكية تأخذ دائما موقف العطف والتأييد للأمم المضطهَدَة والشعوب المستغَلّة في مقاومتها للاستعمار. ذلك لأنّ نضالها يمثّل إرادة الشعب، ويضعف القوى الاستعماريّة، ولأنّه في صالح السلم العالمي. أليس سخيفا إلى أقصى الحدود، التفكير بأنّ تطوّر هذا النضال والتأييد المقدّم له ليسا في صالح السلام ؟
   إنّ البلدان الاشتراكية وشعوب العالم المعادية للاستعمار والشغوفة بالسلم، تناضل جميعها لوضع حدّ للحرب. وكلّما كانت قوّة البلدان الاشتراكية والقوّة المعادية للاستعمار والمحبّة للسلم في دول العالم أعظم، كانت إمكانية منع الحرب أكبر. ولهذا فإنّ تقوية البلدان الاشتراكية، وحركة التحرّر الوطني، وحركة تحرير البروليتاريا في البلدان الرأسمالية، وزيادة القوى المحبّة للسلام في دول العالم، تجعل من الممكن، بصورة أكثر فعاليّة، منع الحرب الاستعماريّة والدفاع عن السلم العالمي.
   والمهمّة العظمى الثالثة للشعب الصيني في الاحتفال بالذكرى التسعين لمولد لينين هي تقوية وتعزيز الصداقة والتضامن مع الشعوب الأخرى وبالدرجة الأولى مع البلدان الاشتراكية، وعلى رأسها الاتّحاد السوفياتي.
   إنّ الماركسية - اللينينية، هي الأممّية البروليتارية الحقيقية. وقد كانت منذ بدايتها ظاهرة أمميّة. فانتصار الثورة الصينيّة وتقدّم البناء الاشتراكي في جمهورية الصين الشعبيّة متعلّقان بشكل لا ينفصم بالتأييد الأممي البروليتاري. وإنّ الشعب الصيني يشكر إلى الأبد هذا التأييد، ولن ينسى مطلقا، واجبه في أن يؤيّد، بجهوده الخاصة، البروليتاريا العالميّة، والأمم المضطهَدة. ولهذا السبب، بالذات، أشار الرفيق ماوتسي تونغ بقوّة عشيّة تأسيس جمهوريّة الصين الشعبيّة قائلا :
" إذا لخصنا تجاربنا وركّزناها في نقطة واحدة وجدناها : ديكتاتورية الشعب الديمقراطية بقيادة الطبقة العاملة (عن طريق الحزب الشيوعي) وعلى أساس تحالف العمّال والفلاّحين. وهذه الديكتاتورية يجب أن تتوحّد مع القوى الثوريّة العالميّة. هذا هو صيغتنا، وتجربتنا الرئيسية، ومنهاجنا الأساسي."
   ولهذا السبب، بالذات، يوجد أيضا، كما هو معروف تماما، شعاران مكتوبان بالحروف الكبيرة على الجدار في تيآنمن في بيكين أحدهما "عاشت جمهورية الصين الشعبية ! " والثاني "عاشت الوحدة العظمى لشعوب العالم "!
   إن الشعب الصيني، في جميع الأوقات، بحاجة إلى التمسّك بالصداقة والتضامن مع الشعوب الأخرى. والشعب الصيني سعيد بأن يرى أن الوحدة الأخويّة بيننا وبين البلدان الأخرى في المعسكر الاشتراكي، على رأسه الاتّحاد السوفياتي العظيم، تتنامى يوميّا، وأنّ صداقتنا مع شعوب آسيا، وأفريقيا، وأميركا اللاتينيّة التي تحبّ السلم وتقاوم العدوان الاستعماري، تتّسع من يوم إلى آخر، وأنّ اتّصالاتنا الوديّة مع الشعوب في البلدان الرأسمالية الأخرى، تتزايد أيضا بمرور كلّ يوم. وعلى هذا الأساس، سيعزّز الشعب الصيني بجهود لا تكلّ، صداقتنا وتضامننا مع جميع الشعوب الأخرى، وذلك لخوض نضال مشترك من أجل المصالح المشتركة لجميع الشعوب.
 إن المستعمِرين وخصوصا المستعمِرين الأميركيين في محاولتهم نسف تضامن شعوب العالم، يحرضون بشكل محموم على حملات معادية للصين في بلدان معيّنة. ولكن هذه الحملات لم تحظ ولن تحظى أبدا بتأييد من الشعوب، لأنّها حملات لا مبرّر لها أبدا. إنّ الشعب الصيني يبنى، بكدّ، حياة سلمية جديدة في بيته، ويعمل بما في وسعه لأن يعيش بصداقة مع جيرانه، فهو لم ينطلق إلى أي بلد أجنبي أو إلى ما وراء بحاره ليقيم قواعد عسكرية، وقواعد للقذائف الموجّهة، فلماذا يلقى العداء إذن؟ ونحن نعلم أنّ الاتّحاد السوفياتي الذي خلقه لينين، كان بلدا مسالما، ومع ذلك تعرّض للطعن والهجوم خلال فترة طويلة من الزمن، من جانب أناس معادين للسوفيات لأغراض داخليّة معيّنة في بعض البلدان الكبيرة والصغيرة (بما فيها بعض الدول التي ساعدها الاتّحاد السوفياتي كالصين، مثلا، أثناء حكم الكومنتنغ). ولكن هذا لم ينجح بإلحاق الضرر بالاتّحاد السوفياتي، وإنّما فضح فقط حقيقة العناصر المعادية للسوفيات على أنّها ضد السلم والشعب. والحملات المعادية للصين التي يحرّض عليها المستعمِرون والرجعيّون في بلدان معيّنة ستنتهى حتما إلى نفس المصير.
   إنّ المستعمِرين، والتحريفيّين المعاصرين المتواطئين معهم، وحفنة من الرجعيّين في مختلف البلدان، مسعورين بشكل خاص، في الوقت الحاضر، في محاولتهم لشقّ الوحدة الأخويّة التي لا تنفصم عراها بين الصين والبلدان الاشتراكية الأخرى بمختلف الوسائل الدنيئة، ومثيرو الوقيعة هؤلاء هم خبثاء وأغبياء إلى أبعد الحدود. إنّهم لن يستطيعوا أن يفهموا أبدا أنّ وحدة البلدان الاشتراكية قد تشكّلت وتنامت تحت راية الماركسية – اللينينية العظيمة التي لا تتزعزع. يقول بيان موسكو:
" إنّ كون البلدان الاشتراكية متضامنة في أسرة كبرى موحّدة يرجع إلى أّنّها تتّبع الطريق الاشتراكي المشترك، وإلى الجوهر الطبقي المشترك لنظامها الاجتماعي والاقتصاديّ وسلطة الدولة، وإلى حاجتها للمساعدة والتأييد المتبادلين. وإلى مصالحها وأهدافها المشتركة في النضال ضد الاستعمار ولتحقيق انتصار الاشتراكية والشيوعية، وإلى إيديولوجية الماركسية – اللينينية المشتركة بينها جميعا".
   إنّ حقيقة أن المستعمِرين والتحريفيِين المعاصرين وحفنة من الرجعيين في مختلف البلدان يحاولون بشراسة إيجاد هذا الشقاق ن لا تدلّ على مناعة موقعهم؛ ولكنّها تظهر انّهم يقتربون من حتفهم. إنّ انتصارات اللينينيّة السريعة في نصف القرن الماضي، وبصورة خاصة في الخمس عشرة سنة منذ الحرب العالمية الثانية، قد وضعتهم على نار. فأمام هذه الانتصارات التي هزّت الأرض والتي تدعمها أوسع الجماهير، لم يعد الاستعمار الذي يحاول عبثا السيطرة على العالم، في الحقيقة، أكثر من "عملاق من طين"، كما وصفه لينين في مقاله "خلاصة أسبوع تجنيد أعضاء الحزب في موسكو ومهامنا". ومن الطبيعي أن يكونوا معادين للتطوّر الكاسح والتضامن الراسخ للحركة الاشتراكية، وحركة الاستقلال الوطني تحت راية لينين. ولكن كلّما أكثروا الشتم، دلّ ذلك بوضوح أكثر على انتصار اللينينية المحتّم. وقد كان لينين يبتهج عندما يهاجم من قبل أعداء الثورة، لأنّ هذا يبرهن تماما على أنّه مصيب، وأكثر من مرّة اقتبس في كتاباته الأبيات التالية للشاعر الروسي الكبير نيكراسوف:
"إن الافتراءات تنهال عليه
وهو يريد سماع الاستحسان
لا في أصوات المديح العذبة
بل في حمأة الشتائم والانفعال !"
فهل لا تثبت صحّة اللينينية بشتائم الأعداء الحانقة، وإنّما بمديحهم؟
   إنّ الشعب الصيني في جهوده لبناء الاشتراكية، وصيانة السلم ومقاومة الحرب، وتعزيز وحدة القوى الثوريّة في مختلف الدول، قد هوجم دائما وبشكل محموم من قبل أعداء الثورة. ولكن كلّ هذا قد برهن تماما على أنّ الطريق التي اختارها الشعب الصيني هي الطريق الصحيحة. وإنّ الشعب الصيني سيتقدّم دائما ببسالة في طريق لينين العظيم نحو انتصار قضية الاشتراكية في جميع أنحاء العالم !
   ولا شكّ مطلقا أنّ الماركسية – اللينينية ستحقّق حتما انتصارات أعظم، ليس فقط في الاتّحاد السوفياتي، والصين، والبلدان الاشتراكية الأخرى، وإنّما أيضا في جميع بلدان العالم الأخرى. بالطبع، إنّ التاريخ يتطوّر بصورة غير متساوية. ومع ذلك فإنّ التعرّجات والركود في مجرى التطوّر الطويل للتاريخ الإنساني ليست إلاّ ظواهر جزئيّة ومؤقتة.
   لقد أشرنا في بدء هذا المقال إلى مقالة "المصير التاريخي لتعاليم كارل ماركس" التي كتبها لينين عام 1913. فقد أشار لينين في هذه المقالة، بصورة خاصة، إلى أنّ آسيا هي مصدر جديد لعواصف عالمية، لأنّه، في ذلك الحين، كان ركود نسبيّ في تطوّر الثورة في أوروبا. واستنتج لينين إذّاك أنّ هذا الركود ليس إلاّ ظاهرة عابرة سطحيّة وأن الفترة التالية من التاريخ ستمكّن الماركسية، مبدأ البروليتاريا، من تحقيق انتصارات أعظم.
وكتب لينين :
" عندما يكون الانتهازيون ما يزالون يتغنّون بكلّ قوتهم بـ"السلم الاجتماعي" ويطبّلون ويزمّرون بأنّ في الإمكان تفادي العواصف في ظلّ "النظام الديمقراطي" يكون مصدر جديد لعواصف عالمية عظمى قد انبثق في آسيا... وبعد آسيا، بدأت أوروبا تتحرّك أيضا. ولكن ليس بالأسلوب الآسيوي... فسياق التسلّح المحموم وسياسة الاستعمار يحوّلان "السلم الاجتماعي" في أوروبا الحديثة، إلى شيء أشبه ببرميل من البارود. وفي نفس الوقت فإنّ عملية تفكّك جميع الأحزاب البرجوازية ونضوج البروليتاريا تسير قدما إلى أمام ".
   إنّ نبوءة لينين العلميّة هذه تحقّقت في روسيا في عام 1917، ثمّ تحقّقت على نطاق أوسع بعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية. إنّ المصادر الجديدة لعواصف عالمية قد نبعت اليوم لا في آسيا فقط، بل في أفريقيا وأميركا اللاتينية أيضا. فلم يعد للاستعمار مؤخّرة مأمونة على أي بقعة من بقاع هذه الأرض. وما زالت توجد الآن درجة معيّنة من "السلم الاجتماعي" في بعض بلدان أوروبا الغربيّة وأميركا الشمالية. ولكن تبعا لسياق التسلّح المسعور والسياسات الاستعماريّة لهذه البلدان، وبسبب قوّة المعسكر الاشتراكي، وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي، ونهوض حركات الاستقلال الوطني والحركات الشعبية الثورية، وتبعا للشعبيّة المتزايدة لحركة السلم، فإنّ " السلم الاجتماعي " في هذه البلدان الغربيّة يتحوّل في الجوهر أكثر فأكثر إلى برميل من البارود، كما وصفه لينين، فليناضل الشعب الصيني وشعوب العالم الأخرى معا لتحرز اللينينيّة، النظرية الماركسية لعصر الاستعمار والثورة البروليتارية انتصارات أعظم في الفترة التاريخية المقبلــة!
-----------------------------------------------------------
 نشرت في صحيفة "جينمينجيباو"،  22 أفريل / نيسان 1960
***********************************

الوثيقة الثالثة :       
لنتّحد تحت رايــة لينـــين الثّوريّـــة
   التقرير الذي ألقي في الاجتماع الذي عقدته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في بيكين في 22 أفريل / نيسان سنة 1960 للاحتفال بالذكرى التسعين لمولد لينين بقلم : لوتنغ يي.
أيها الرفاق والأصدقاء :
   يصادف اليوم 22 نيسان ( ابريل) الذكرى التسعين لمولد لينين العظيم.
   لقد كان لينين معلّما ثوريّا عظيما، بعد ماركس وإنجلز، للبروليتاريا، والشغّيلة، والأمم المضطهَدة في العالم بأسره. ففي ظلّ الظروف التاريخية لعصر الاستعمار، وفي لهب الثورة الاشتراكية البروليتارية، دافع لينين بحزم عن التعاليم الثورية لماركس وإنجلز وطوّرها. إن اللينينيّة هي ماركسية عصر الاستعمار والثورة البروليتارية، وإنّ اسم لينين في نظر شغّيلة العالم بأسره، رمز انتصار الثورة البروليتاريّة، رمز انتصار الاشتراكية والشيوعية.
   وعندما وُلد لينين، منذ تسعين عاما مضت، كانت البشريّة ما تزال تحت حكم الرأسماليّة المظلم. وقد قاد لينين والحزب البلشفي الروسي البروليتاريا والشغّيلة الروس فحطّموا سلسلة الاستعمار العالمي، وأطاحوا بحكم العنف البرجوازي، باستخدام العنف الثوري، وأحرزوا النصر في ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، وأسّسوا أوّل دولة لديكتاتورية البروليتاريا، وفتحوا عصرا جديدا في تاريخ البشريّة. لقد جعلت ثورة أكتوبر حلم الشغّيلة والبشريّة التقدّمية منذ آلاف السنين حقيقة واقعة، فأقامت، لأوّل مرّة في التاريخ، مجتمعا متحرّرا من استثمار إنسان لإنسان، فوق سدس الكرة الأرضيّة. وقد حاول المستعمِرون عبثا خنق هذه الدولة السوفياتيّة التي ُولدت حديثا. وقامت أربع عشرة دولة رأسمالية بالتدخّل المسلّح، بالتواطؤ مع القوى المعادية للثورة في روسيا آنذاك. وقد قاد لينين والبلاشفة، الطبقة العاملة السوفياتية البطلة والشغيلة السوفيات الأبطال، فسحقوا التدخّل الاستعمار ي المسلّح وقضوا على العصيان المعادي للثورة في الداخل. وقد أشار لينين إلى طريق البناء الاشتراكي، وطريق التصنيع الاشتراكي، وجماعيّة الزراعة.
   وبعد أن مات لينين قادت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتّحاد السوفياتي والحكومة السوفياتية وعلى رأسهما ستالين، الشعب السوفياتي، في تنفيذ تعليمات لينين، بحيث أن الاتّحاد السوفياتي، الذي كان متأخّرا اقتصاديّا وتكنيكيّا، أصبح بسرعة وفي فترة تاريخية قصيرة، بلدا اشتراكيّا قويّا.
   وفي الحرب العالمية الثانية أصبح الاتّحاد السوفياتي القوّة الرئيسية في هزيمة العدوان الفاشستي، وساعد شعوب بلدان اوروبا الشرقية على تحقيق تحرّرها، وساعد شعوب البلدان الآسيوية على هزيمة الاستعمار الياباني، مقوّيا إلى درجة كبيرة قضيّة الثورة البروليتارية، وقضيّة التحرّر الوطني، ومقدّما مساهمة عظيمة جدّا للسلم العالمي. وقد دخل الاتّحاد السوفياتي الآن العصر التاريخي للبناء الشامل للشيوعية. فتحت قيادة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتّحاد السوفياتي، والحكومة السوفياتية، وعلى رأسهما الرفيق ن. س. خروشوف، حقّقت في الاتّحاد السوفياتي إنجازات رائعة في البناء الاقتصاديّ، وتقدّم فيه العلم والتكنيك بقفزات ووثبات، وأطلق الاتّحاد السوفياتي أوّل مجموعة في العالم من الأقمار الصناعيّة الأرضيّة والصواريخ الكونيّة، فاتحا بذلك عصرا جديدا في ترويض الإنسان للطبيعة. وقد حفّزت هذه الإنجازات الكبيرة شعوب العالم أجمع كثيرا في نضالاتها ضد الاستعمار، ومن أجل التحرّر الوطني، والديمقراطية الشعبية، والاشتراكية، ومن أجل سلم عالمي أبدي.
   إنّ حياة لينين كانت حياة ثوري بروليتاري عظيم، أنفقت في نضال عنيف ضد الاستعمار، وضد جميع أنواع الرجعيين والانتهازيين. وقد تطوّرت اللينينية في النضالات ضد الاستعمار والانتهازية. إنّ الميزة الخاصة للينينيّة، لم تحي فقط، وبصورة تامة، المحتوى الثوري للماركسية الذي أضعفه محرّفو الأممية الثانية، ولم تستعد فقط الحدّ الثوري للماركسية، الذي ثلموه، ولكنّها طوّرت أيضا المحتوى الثوري للماركسية تطويرا أكثر، شحذت حدّها الثوري في ظلّ ظروف تاريخية جديدة وعلى ضوء التجربة التاريخية الجديدة.
لقد تطوّرت الرأسمالية في نهاية القرن التاسع عشر، إلى مرحلة جديدة، مرحلة الرأسماليّة الاحتكارية، أو الاستعمار. وفي هذه المرحلة ظهرت جميع تناقضات الرأسمالية بصورة أكثر شمولا وعمقا. ووضع هذا مهمّة جديدة أمام الماركسيين، تتطلّب أن يقوموا بتحليل جديد لهذه المرحلة الجديدة للرأسمالية. ولم يكن هناك غير لينين العظيم الذي حقّق هذه المهمّة.
   فقد أعطى لينين تحليلا عميقا للطبيعة الجوهريّة للاستعمار، ودحض بصورة تامة تبييض الاستعمار والاعتذار له من قبل مرتدّي الطبقة العاملة كبرنشتين وكاوتسكي. وشرح لينين بصورة علميّة حقيقة أن الاستعمار هو الرأسماليّة الاحتكاريّة البالية المحتضرة، وأنّه عشيّة الثورة الاشتراكية البروليتارية. ففي عصر الاستعمار تطوّرت التناقضات بين البورجوازيّة والبروليتاريا في نفس البلد، كما تطوّرت التناقضات بين البلدان الرأسمالية، والتناقضات بين البلدان الرأسمالية الاستعماريّة والمستعمرات وأشباه المستعمرات، إلى درجة من الحدّة لم يسبق لها مثيل، وهذه التناقضات لا يمكن أن تحلّ إلاّ بالثورات. ويحاول المستعمِرون أن يقضوا على سلسلة التناقضات، المذكورة آنفا، بإغراق الملايين والملايين من الناس في بحر من الدم في الحروب بين القوى الاستعماريّة، وفي حروب الاعتداء على المستعمرات وأشباه المستعمرات، وحروب القمع ضد البروليتاريا والشغيلة في بلدانهم أنفسها. ولكن على العكس من رغبة المستعمرين، فإنّ الحروب الاستعماريّة المعادية للثورة عاجزة عن القضاء على تناقضات الاستعمار، بل إنّها بالضبط، تزيد من حدّة هذه التناقضات، وتعجّل أكثر بانفجار الثورة.
   وكما هو معروف تماما، فقد أشار لينين في مؤلفه المشهور "رسالة من بعيد" بعد ثورة شباط (فبراير) الروسيّة في عام 1917، فيما يتعلّق بمسألة الثورة الروسية إلى أنّ الحرب الاستعماريّة التي شملت العالم كلّه حينذاك، قد أصبحت " المخرج القدير" : ذلك أنّها كانت تزيد بشكل واسع من سرعة مجرى التاريخ العالمي، مولّدة أزمات عالميّة، اقتصادية وسياسية، ووطنية، ودوليّة، متفاقمة تفاقما لا نظير له ؛ وقلبت فجأة عربة النظام القيصري الروسي القذرة الملطّخة بالدماء، في هذا الانعطاف المفاجئ الذي لا مثيل له في التاريخ العالمي؟36
   إنّ الماركسيين – اللينينيين معارضون في ظلّ أيّة ظروف للنظام الاستعمار ي والحروب الاستعماريّة. ويعتقدون بأنّ تناقضات نظام الاستعمار الرأسمالي نفسه ستسبّب، بالضرورة وبصورة حتمية، الثورة البروليتارية وثورات المستعمرات وأشباه المستعمرات. إنّ انتهازيي الأممية الثانية تملكهم ذعر قاتل من "قوّة" الاستعمار الظاهريّة فتركوا البورجوازيين يستأجرونهم وعملوا للاستعمار. وتمشّيا مع مصالح المستعمِرين روّجوا تأثيرات إصلاحية واستسلامية بين جماهير العمّال والشعب وقاوموا طريق الثورة. وعندما انفجرت الحرب الاستعماريّة انحدروا إلى الموقف المخزي، موقف تأييد الحرب الاستعماريّة. وعلى النقيض من الانتهازيين أخذ لينين دائما موقف الثوري البروليتاري ووقف في الجبهة الأماميّة ضد الحرب الاستعماريّة. وقد فضح لينين الانتهازيين وكشف عن وجههم الحقيقي كشركاء للمستعمِرين. وقاوم بقوّة وحزم الحرب الاستعماريّة؛ وعندما انفجرت الحرب الاستعماريّة دعا إلى وضع حدّ لها بشنّ حرب ثورية. وقد أشار لينين بأنّ "النظام الاشتراكي فقط يستطيع تحرير الإنسان من الحرب"37.
   إنّ الروح الثورية للينينيّة تظهر بصورة بارزة في تعاليم الثورة البروليتارية، وديكتاتورية البروليتاريا. فمن أجل تحطيم " النظريات " التحريفيّة لكاوتسكي وأشباهه الرامية إلى تبييض نظام الديمقراطية البورجوازية، وتخدير الروح الثورية للبروليتاريا، أشار لينين مرارا إلى أنّ على الثورة البروليتارية أن تسحق جهاز الدولة البرجوازية وتستعيض عنها بديكتاتورية البروليتاريا، فقال :
" إنّ الثانية (الدولة البرجوازية) لا يمكن أن تستبدل بالدولة البروليتارية (ديكتاتورية البروليتاريا) في مجرى عملية "الزوال الطبيعي"؛ فكقاعدة عامة يمكن أن يحدث هذا فقط عن طريق ثورة عنيفة ". و"هذا بالذات هو أساس تعاليم ماركس وإنجلز بأسرها"38. وأشار لينين أكثر من ذلك إلى أنّ ديكتاتورية البروليتاريا هي استمرار للصراع الطبقي بشكل آخر، وفي ظلّ ظروف جديدة، وأنّها نضال دائب لقمع مقاومة الطبقات المستغِلّة، وضد العدوان الأجنبي، وضد القوى القديمة وتقاليدها. فبدون ديكتاتورية البروليتاريا لا يمكن أن يكون هناك انتصار للاشتراكية. إنّ ديكتاتورية البروليتاريا هي نظام سياسي ديمقراطي أكثر بمليون مرّة من الديكتاتورية البورجوازية.
   لقد طبّق لينين وطوّر بشكل نيّر الفكرة الماركسيّة عن الثورة المتواصلة واعتبرها مبدأ أساسيّا موجّها للثورة البروليتارية. وبيّن لينين المبدأ القائل إنّ على البروليتاريا أن تستولي على قيادة الثورة الديمقراطية البورجوازية وتحوّل الثورة الديمقراطية البورجوازية، بدون انقطاع، إلى ثورة اشتراكية. وأكثر من ذلك، أشار لينين إلى أن الثورة الاشتراكية ليست الهدف النهائي، بل يجب مواصلة التقدّم لتحقيق الانتقال إلى المرحلة العليا من الشيوعية وقد قال: "عندما نبدأ التحوّل الاشتراكي، يجب أن نضع لأنفسنا، بوضوح، الهدف النهائي لهذا التحوّل، أي هدف بناء المجتمع الشيوعي"39.
   واعتمادا على القانون المطلق للتطوّر الاقتصاديّ والسياسي غير المتساوي للرأسمالية، توصّل لينين إلى نتيجة أنّ الاشتراكية ستحقّق الانتصار أوّلا في بلد واحد أو عدّة بلدان. وإنّ التقدّم، من انتصار الاشتراكية في بلد أو عدّة بلدان إلى انتصارها في بلدان العالم بأسره، سيستغرق عصرا تاريخيّا كاملا. وكان لينين، على ثقة تامة بمستقبل الثورة العالمية. فقد قال في مقاله الأخير "الأفضل خير وإن كان أقلّ":
" إنّ نتيجة النضال، في التحليل النهائي، ستقرّرها حقيقة أن روسيا، والهند، والصين إلخ تشكّل الأغلبيّة الساحقة من سكّان العالم. وهذه الأغلبيّة، بالضبط، هي التي اندفعت أيضا بسرعة غريبة، في السنوات القليلة الماضية، إلى النضال من أجل التحرّر، بحيث لا يمكن أن يكون في هذا المجال، أدنى ظلّ من الشكّ، حول ما ستكون عليه النتيجة النهائية للنضال العالمي. وبهذا المعنى فإنّ الانتصار النهائي للاشتراكية مضمون بصورة تامة ومطلقة"40.
   إنّ النظام الرأسمالي سيقبر بالتأكيد، وسيحلّ محله حتما النظام الاشتراكي والشيوعي. فهذا قانون موضوعي مستقلّ عن الإرادة الإنسانيّة.
   لقد شرح لينين، بعد ماركس وإنجلز، بصورة أوفى هذا القانون، ومجّد كثيرا المبادرة الثوريّة لجماهير الشعب. وقد دلّ انتصار ثورة أكتوبر العظمى بقيادة لينين، البشريّة بأسرها إلى طريق التحرّر التام، وإلى الأفق النيّر للاشتراكية والشيوعية. وكما قال الرفيق ماوتسي تونغ: "إذا أردنا الكلام بصورة أساسيّة، فإنّ طريق الاتّحاد السوفياتي، طريق ثورة أكتوبر، هو الطريق المشرق المشترك لتطوّر الإنسانية جمعاء"41.
   إنّ الثورة الصينية هي استمرار لثورة أكتوبر. والحزب الشيوعي الصيني والرفيق ماوتسي تونغ قد دمجا الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة الصينية، ومن ثمّ فإنّ الثورة الصينية سارت في الاتّجاه الصحيح، وظهرت في مظهر جديد برّاق.
   إنّ الرفيق ماوتسى تونغ أظهر بصورة تامة الروح الثورية للماركسية – اللينينية، وقد دافع عن الماركسية – اللينينية وطوّرها أكثر في ظلّ ظروفنا. وقاد حزبنا الثورة الصينيّة في الطريق الثوري الذي أشار إليه الرفيق ماوتسى تونغ، وسار بها باستمرار من نصر إلى نصر.
   إنّ ثورة الديمقراطية الجديدة في بلادنا، كانت ثورة بقيادة البروليتاريا، اشتركت فيها الجماهير الشعبية الغفيرة، ضد الاستعمار، والإقطاعية، والرأسمالية البيروقراطية. ولم يتحقّق انتصار هذه الثورة إلاّ بعد أكثر من عشرين عاما طوالا من الحرب الثورية.
   وفي مجرى الثورة الطويل كان المستعمِرون العدو الأكبر الذي يجابه الشعب الصيني. وقبل أن تحرز الثورة الصينيّة النصر، لاقت الصين الضغط والسيطرة من جانب جميع الدول الاستعماريّة في العالم. وبعد انتصار الثورة الصينية شنّ المستعمرون الأميركيون هجوما مسلّحا ضد الجمهورية الديمقراطية الشعبيّة الكوريّة، وهدّدوا أمن بلادنا، واحتلوا ارضنا تايوان بالقوّة المسلّحة، وحاولوا القضاء على الثورة الصينية بفرض الحصار وحظر النقل، واستخدام "الفردية الديمقراطية " المزعومة. ولكن الحزب الشيوعي الصيني عبّأ، بالروح الثورية العالية للماركسية – اللينينية، أوسع الجماهير الشعبية، واستأصل مشاعر "موالاة أميركا، وعبادة أميركا، وخشية اميركا" التي بثّها المستعمرون، وخدمهم وشنّ نضالا ضد الاستعمار وعملائه في الصين، وأطاح أخيرا بالضغط والسيطرة الاستعمار يين في الصين، وصان بقوّة ثمار ثورتنا.
   لقد تعاون حزبنا مرّتين مع الكومنتانغ - الحزب السياسي البرجوازي - وانشقّ عنه مرّتين. ولذلك فإنّه يملك تجربة غنيّة جدّا حول مسألة الاتّحاد مع البرجوازية والنضال ضدّها. فليس لدى حزبنا تجربة غنيّة في النضال المسلّح فقط، بل أيضا في النضال السلمي.
   إنّ الحزب الشيوعي الصيني، تحت قيادة الرفيق ماوتسى تونغ، قد طبّق بصورة صحيحة ومحدّدة، الأفكار التي أوضحها لينين عن اضطلاع البروليتاريا بالقيادة في الثورة الديمقراطية البورجوازية. وعن قيادة البروليتاريا لجماهير الفلاحين في تنفيذ ثورة ديمقراطية بصورة شاملة، وعن كون الثورة الديمقراطية حربا فلاحيّة وثورة لتقسيم الأراضي، وعن الثورة المتواصلة في تحويل الثورة الديمقراطية إلى ثورة اشتراكية. وقد لعبت هذه الأفكار دورا موجّها في إحراز انتصارات مستمرّة في ثورتنا.
   لقد علّمنا لينين أنّ من المستحيل قهر الأعداء الأقوياء بدون حزب ثوري بروليتاري متمرّس بالنضالات المستمرّة. ويجب أن يتّخذ هذا الحزب الماركسية – اللينينية كأساس إيديولوجي له، ويجب أن يكون له برنامج ثوري بروليتاري، وأن تكون له روابط وثيقة بالجماهير الواسعة من الشغيلة. وحزبنا الشيوعي الصيني هو بالضبط حزب ثوري بروليتاري من هذا النوع. فقد بلغ حزبنا مرحلة النضج أثناء النضالات ضد الأعداء الأقوياء في الداخل والخارج، وضد الانتهازية اليمينيّة و" اليسارية ". ولم تتوطّد بصورة راسخة القيادة الماركسية – اللينينية للجنة حزبنا المركزيّة بقيادة الرفيق ماوتسى تونغ، إلاّ بعد نضالات متكرّرة ضد انتهازية اليمين و"اليسار". وبفضل وجود قيادة كهذه بالذات استطاع حزبنا، في مرحلة الثورة الديمقراطية، أن يضمن بشكل راسخ قيادة بروليتارية وسار بالثورة الديمقراطية إلى النصر التام، وحول بسرعة انتصار الثورة الديمقراطية إلى انتصار للثورة الاشتراكية.
   وفي نضالات حزبنا ضد انتهازية اليمين و"اليسار" كانت مؤلفات لينين مثل "خطتان للحزب الديمقراطي الاجتماعي في الثورة الديمقراطية"، و"الدولة والثورة"، و"مرض الطفولة "اليساري" في الحركة الشيوعية"، و"الثورة البروليتارية والمرتدّ كاوتسكي"، أكثر أسلحتنا الإيديولوجية أهمّية.
   وطبّق حزبنا في تجربة الثورة الصينية، التعاليم الماركسية – اللينينية عن الثورة المتواصلة وتطوّر الثورة على مراحل، وحلّ بشكل صحيح ومحدّد، سلسلة من المشاكل في تحويل الثورة الديمقراطية في بلادنا إلى ثورة اشتراكية. وقد قال لينين في الحديث عن العلاقة بين الثورة الديمقراطية والثورة الاشتراكية :
" إنّ الثورة الأولى يمكن أن تتحوّل إلى الثورة الثانية. والثورة الثانية في مرورها، يمكن أن تحلّ مسائل الثورة الأولى. والثانية تدعم عمل الأولى. والنضال، والنضال وحده، يقرّر إلى أي حدّ تتفوّق الثورة الثانية على الثورة الأولى"42.
 وقال أيضا:
 "كلّما كان تحقيق الثورة الديمقراطية أكثر كمالا كان تطوّر هذا النضال الجديد (إشارة إلى الثورة الاشتراكية) أسرع، وأكثر انتشارا، وأنقى، وأكثر حزما"43.
   وتثبت الظروف في بلادنا بشكل قاطع أنّه كلّما سارت الثورة الديمقراطية بصورة شاملة كان تطوّر الثورة الاشتراكية أسرع وأسهل، وإن زيادة سرعة البناء الاشتراكي ستساعد حتما على تحقيق الشيوعية.
   إنّ الاستمرار في الثورة الاشتراكية حتى النهاية يعني أنّنا يجب أن نحرز انتصار الثورة الاشتراكية، ليس فقط على الجبهة الاقتصاديّة، وإنّما على الجبهتين السياسية والإيديولوجية أيضا، وأن نزيح باستمرار التأثير البورجوازي السياسي والإيديولوجي، وأن نحلّ باستمرار التناقضات بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة، وبين البناء الفوقي والأساس الاقتصاديّ التي تبرز في مجرى البناء الاشتراكي. وبهذه الطريقة يكون من الممكن أن تعبّأ بصورة تامة المبادرة الثوريّة للجماهير، وتشكّل في البناء الاشتراكي "حركة جماهيرية، حقيقية، تشترك فيها أغلبية السكّان وحتى مجموع السكّان"44، كما وصفها لينين  وبذلك نعجّل كثيرا بقفزة القوى الاجتماعية المنتجة إلى الأمام.
   وثمّة نوع من النظريّة يعتقد بأنّه لا توجد في المجتمع الإنساني إلاّ تناقضات بين أنفسنا والعدوّ، ولا توجد تناقضات داخل الشعب ؛ وأنّ بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة، وبين البناء الفوقي والأساس الاقتصاديّ في المجتمع الاشتراكي، يوجد فقط وجه للمطابقة المتبادلة دون وجه للتناقض؛ وأنّنا في البناء الاشتراكي نحتاج فقط إلى الاعتماد على التكنيك، وليس على الجماهير؛ وأن لا حاجة لتطوير النظام الاشتراكي وإنّما تعزيزه فقط، ولوكان من الضروري تطويره للتقدّم نحو الشيوعية، فليست هناك حاجة أيضا إلى المرور بالنضال والمرور بقفزة نوعية؛ وهكذا فإنّ مجرى الثورة المتواصلة للمجتمع الإنساني ينتهي إلى هذه النقطة وليس إلى أبعد منها. وهذه في اصطلاحات الفكر الفلسفي، راي ميتافيزيقي، وليس رأيا ماديّا ديالكتيكيا.
   ويطبّق الرفيق ماوتسى تونغ في كتابه "حول المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب" المادية الديالكتيكية للماركسية- اللينينية على مرحلة البناء الاشتراكي في بلادنا، مثيرا مسألة وضع خطّ بين تناقضاتنا مع العدو والتناقضات بين الشعب، ومسألة المعالجة الصحيحة للتناقضات بين الشعب ومسألة المعالجة الصحيحة للتناقضات بين علاقات الإنتاج والقوى المنتجة، وبين البناء الفوقي والأساس الاقتصاديّ، في ظلّ النظام الاشتراكي. وهذه النظرية الماركسية – اللينينية، تختلف بصورة اساسية عن الرأي الميتافيزيقي المذكور آنفا. وعلى أساس هذه النظرية، بالضبط، واستنادا إلى التجربة المتوّفرة في ممارسة البناء الاشتراكي في بلادنا، وضع خط حزبنا العام: خطّ بذل أقصى الجهود والتطلّع إلى العلاء، وتحقيق نتائج أعظم، وأسرع، وأفضل، وأكثر اقتصادا في بناء الاشتراكية.
   واسترشادا بالخطّ العام لحزبنا في البناء الاشتراكي، شهدت بلادنا قفزات كبيرة إلى الأمام في الإنتاج الصناعي والزراعي، وظهور الكومونات الشعبية الريفيّة والحضريّة وحركة الابتكارات التكنيكية والثورة التكنيكية، وربط التعليم بالعمل المنتج، وقفزات عظيمة إلى الأمام في أعمال التجارة، والبحث العلمي، والثقافة والفنّ، والصحّة العامة، والرياضة البدينية.
   إنّ خطّ حزبنا العام للبناء الاشتراكي لم يهاجم فقط من قبل المستعمِرين والمحرفين المعاصرين، وإنّما تعرّض أيضا لافتراء من جانب بعض السذّج الجهلة على أنّه "تعصّب البورجوازية الصغيرة" كما يزعمون. ولكن الحقائق تبقى حقائق. فخطّنا العام للبناء الاشتراكي هو خطّ عام ماركسي لينيني. وبتقدّم قضية بنائنا الاشتراكي، بتوجيه هذا الخطّ العام، يتعرّض وجه بلادنا لتغيّر سريع في جميع الميادين.
   لقد حلّل لينين الطابع الانتقالي للمجتمع الاشتراكي في "الدولة والثورة" وغيره من المؤلفات. وأشار إلى أنّ الاشتراكية لم تستطع بعد أن تتحرّر، كلّيا، اقتصاديّا وسياسيا وإيديولوجيّا من تقاليد الرأسمالية وآثارها، وإنّها لم تصبح بعد مجتمعا شيوعيّا كامل النمو والنضج، وإنّها ما تزال المرحلة الدنيا من الشيوعية وعليها ان تقوم بالانتقال إلى المرحلة العليا من الشيوعية، الشيوعية الكاملة النمو والنضج. وأفكار لينين هذه، ذات أهمّية كبيرة لنا. فما دمنا شيوعيّين وجب علينا، استنادا إلى المبادئ الماركسية – اللينينية عن الثورة المتواصلة، وتطوّر الثورة على مراحل، أن نخلق بنشاط الشروط لتحقيق الشيوعية ونحن نواصل البناء الاشتراكي. وقد أشارت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني إلى الشروط الضروريّة لتحقيق الشيوعية في بلدنا بالمستقبل. وهذه الشروط هي:
 "عندما يكون الإنتاج الاجتماعي قد أصبح وافرا للغاية ؛ والوعي الشيوعي والخلق الشيوعي للشعب بأسره قد ارتفع إلى درجة عليا؛ ويكون التعليم العام قد تحقّق وارتفع مستواه ؛ وتكون الفروق بين العمّال والفلاحين، بين المدينة والريف، بين العمل الذهني واليدوي، تلك الفروق التي خلّفها المجتمع البائد والتي لم يكن بدّ من الاحتفاظ بها في عصر الاشتراكية قد اختفت تدريجيّا ؛ وتكون بقايا الحقّ البرجوازي غير المتساوي الذي هو انعكاس هذه الفروق قد اختفت أيضا تدريجيّا ؛ وأصبحت وظيفة الدولة مقصورة على حماية الوطن ضد عدوان خارجي، ولم تعد تلعب أي دور على النطاق الداخلي. في ذلك الوقت سيدخل المجتمع في بلادنا عصر الشيوعية الذي يطبّق فيه مبدأ " من كلّ حسب قدرته ولكلّ حسب حاجته"45.
   إنّ الانتصارات التي أحرزها شعبنا في ثورة الديمقراطية الجديدة، والثورة الاشتراكية، والبناء الاشتراكي، قد تحقّقت جميعا تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني، وعلى رأسه الرفيق ماوتسى تونغ، واسترشادا بتفكير ماوتسى تونغ الذي يدمج الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة الصينية. وقد تلقّينا المساعدة من الحزب الشيوعي العظيم في الاتّحاد السوفياتي، ومن الحكومة السوفياتية، والشعب السوفياتي، ومن جميع البلدان الاشتراكية، ومن الأحزاب الشيوعية وأحزاب العمال، والشغيلة والتقدّميين في مختلف البلدان في العالم، والشعب الصيني سيحفظ دائما هذه الروح الأمميّة العظيمة، ولن ينساها أبدا.
   إنّنا نعيش اليوم في عصر عظيم جديد ينهار فيه النظام الاستعمار ي بسرعة أعظم، وتتوالى فيه انتصارات الشعوب ويقظتها في جميع أنحاء العالم.
   والماركسيون – اللينينيون، والمحرّفون المعاصرون، انطلاقا من موقفين ورأيين مختلفين بصورة أساسيّة وصلوا إلى استنتاجات مختلفة بصورة أساسيّة حول هذا الوضع. فالماركسيون – اللينينيون يعتبرون هذا العصر عصرا جديدا ومؤاتيا بشكل لا مثيل له للثورة البروليتارية في بلدان العالم، وللثورة الوطنية في المستعمرات وأشباه المستعمرات. إنّ قوى السلم قد نمت نموّا عظيما وقد صارت ثمّة إمكانية عمليّة لمنع الحرب. فعلى شعوب العالم بأسره أن تشدّد بشكل أقوى النضال ضد الاستعمار، وأن تدفع تطوّر الثورة، وتدافع عن السلم العالمي. ومن جهة أخرى يعتبر المحرّفون المعاصرون هذا "عصرا جديدا" قد اختفت فيه من جدول أعمال العالم، الثورة البروليتارية في مختلف البلدان، والثورة الوطنية في المستعمرات وأشباه المستعمرات. ويعتقدون بأنّ الاستعمار سينسحب عن مسرح التاريخ بمحض إرادته، وبدون ثورة؛ وأنّ سلما أبديّا سيخيّم من تلقاء نفسه بدون أن نشنّ نضالاتنا المعادية للاستعمار. وهكذا فإنّ مسألة ما إذا كان المرء يريد الثورة أم لا، وما إذا كان يريد أن يقاوم الاستعمار أم لا، قد أصبحت الاختلاف الأساسي بين الماركسيين – اللينييين، والمحرّفين المعاصرين.
إنّ الحجج الرئيسية للمحرّفين المعاصرين في تحريف الماركسية – اللينينية الثورية وتشويهها وخيانتها، هي ادّعاؤهم بأنّه في ظلّ الظروف التاريخية للعصر الجديد، فإنّ تحليل لينين للاستعمار قد "فات أوانه"، وأنّ طبيعة الاستعمار قد "تغيّرت"، وأنّ الاستعمار قد "أقلع" عن سياساته، سياسات الحرب والعدوان. وبحجّة ما يدّعى بالنظر "التاريخي، غير الجامد" للتراث النظري الذي تركه لينين، هاجموا المحتوى الثوري، والروح الثورية للماركسية – اللينينية.
   وفي الظروف التي تتغلّب فيها الريح الشرقيّة على الريح الغربيّة، والتي أصبحت فيها الغلبة لقوى الاشتراكية والسلم على قوى الحرب الاستعماريّة، توجد صعوبات جمّة بين صفوف المستعمِرين الذين يهوون على حالة أصعب فأصعب. إنّ المستعمرين يقومون بكلّ أشكال النضالات اليائسة في مسعى لإنقاذ أنفسهم من الهلاك. ومؤخرا حاول المستعمِرون، وخصوصا المستعمِرون الأميركيّون، جهدهم استخدام خطط أكثر مكرا وخداعا للاستمرار في سياسات العدوان والنهب، وتخدير شعوب العالم. وحتى المستعمِرون الأميركيون أنفسهم لا يخفون أحيانا عزمهم على إتّباع خطط أكثر " مرونة " كما يزعمون. فقد استخدموا، بوسائل متنوّعة، طريقة الحرب وطريقة السلم، بالتعاقب، فبينما يكثرون من زيادة التسلّح، والتحضيرات للحرب، ويقومون بالتهديد بحرب نوويّة، ينشرون في الوقت نفسه ستارة من الدخان عن " السلم" ويستخدمون القنابل المعسولة في محاولة لخلق انطباع زائف بأن المستعمِرين يدعون إلى السلم. فمن جهة لجأوا إلى القمع القاسي للحركات الثوريّة، ومن جهة أخرى عمدوا إلى التضليل والرشوة في محاولة لتخفيف الحركات الثوريّة وشقّها. وقد لجأ المستعمِرون إلى هذه الوسائل الخادعة لغرض واحد هو إخفاء طبيعتهم العدوانية النهّابة، وتغطية تحضيراتهم للحرب لتحقيق غرضهم في تفكيك الحركات الثورية في مختلف البلدان، والحركات الثورية في المستعمرات واشباه المستعمرات، ونضال شعوب جميع البلدان من أجل السلم العالمي، ولاستعباد شعوب مختلف البلدان ودكّ البلدان الاشتراكية.
فلمكافحة الخطط المختلفة التي يتّبعها المستعمِرون ضد الشعوب، يجب على شعوب مختلف البلدان في كلّ انحاء العالم أن تستخدم أيضا في كفاحها ضد الاستعمار خططا ووسائلا متنوّعة للنضال الثوري. لقد اعتقد الماركسيّون – اللينينيّون، دائما، أنّه في النضال الثوري يجب أن تكون هناك صلابة في المبدأ ومرونة في الخطط. إنّ كلّ وسائل الثورة وأشكال النضال، غير الشرعية منها و"الشرعية"، خارج البرلمان وداخله، الدامية وغير الدامية، الاقتصاديّ ة والسياسية، العسكرية والإيديولوجية – كلّ هذه يقصد من ورائها فضح المستعمِرين فضحا أكثر والكشف عن قناع المستعمِرين كمعتدين ورفع الوعي الثوري باستمرار، وتعبئة جماهير الشعب على نطاق أوسع لمقاومة المستعمِرين والرجعيِين، وتطوير النضال من أجل السلم العالمي والتحضير للنصر وإحرازه في الثورة الشعبيّة والثورة الوطنيّة.
   وقد اعتقد الماركسيون – اللينينيون دائما أيضا، أنّ على البروليتاريا أن تتّحد مع احتياطيها لكي تحرز انتصار الثورة. يجب على البروليتاريا أن تدخل في تحالف قوي مع الفلاّحين، والشغّيلة الآخرين، وجماهير الشعب المضطهَدة في المستعمرات وأشباه المستعمرات، الذين هم حلفاؤها الأساسيّون. وبالإضافة إلى ذلك فعلى البروليتاريا، في مختلف الفترات أن تتّحد مع الآخرين الذين يمكن الاتّحاد معهم. فمن أجل مصالح الشعب، بالطبع، على البروليتاريا أن تستفيد بصورة كاملة من التناقضات بين المستعمِرين، حتى لو كانت تناقضات مؤقّتة وجزئية. كلّ ذلك بغرض الإطاحة بالمستعمِرين والرجعيّين.
   وفي النضال ضد الاستعمار وسياسته العدوانيّة، فإن من المسموح به تماما، ومن الضروري وفي مصلحة شعوب مختلف البلدان، أن تقوم البلدان الاشتراكية، كلّما أمكن ذلك، بالمفاوضات السلميّة وتبادل الزيارات مع البلدان الاستعماريّة، وأن تناضل لتسوية النزاعات الدوليّة بالطرق السلمية بدلا من الحرب، وأن تسعى إلى توقيع اتّفاقيات للتعايش السلمي أو معاهدات عدم اعتداء.
وقد بذلت الحكومة السوفياتية جهودا عظيمة لتخفيف التوتّر الدولي والدفاع عن السلم العالمي. وإن الحزب الشيوعي الصيني، والحكومة الصينية، والشعب الصيني يؤيّدون تأييدا إيجابيّا المقترحات السلميّة التي قدّمتها الحكومة السوفياتية وعلى رأسها الرفيق ن. س. خروشوف لعقد اجتماع الذروة بين الشرق والغرب، ولنزع السلاح العام، وتحريم الأسلحة النووية... وما إلى ذلك.
   إنّ المحرّفين المعاصرين خانوا كلّية الروح الثورية للماركسية – اللينينية، وخانوا مصالح شعوب العالم قاطبة، وخضعوا وسلّموا للبرجوازيين والمستعمِرين. وهم يعتقدون بأن المستعمِرين قد غيّروا طبيعتهم، وأقلعوا عن سياسة الحرب بمحض اختيارهم؛ وأنّه لذلك لم تعد هناك حاجة للنضالات المعادية للاستعمار ولم تعد هناك حاجة للثورات. ويبذلون قصارى جهودهم لتغطية سياسات المستعمِرين الأميركيّين، سياسات العدوان والحرب، وتجميل الاستعمار، وأيزنهاور، رأس المستعمِرين الأميركيين. وقد أصبح أيزنهاور، على حدّ وصفهم له، " مبعوث سلام "، ولم يعد الاستعمار الأميركي عدوّا للسلم، ولم يعد عدو حركات التحرّر الوطني للمستعمرات وأشباه المستعمرات، ولم يعد ألدّ أعداء الشعوب في العالم بأسره. وباختصار، فعلى رأي المحرّفين المعاصرين، يبدو أنّه لم يعد هناك أي فرق بين الاستعمار والاشتراكية، وأنّ كلّ من يصرّ على النضال ضد الاستعمار، وعلى الثورة، سيعيق السلم، والتعايش السلمي، وهو"ذو جمود عقائدي متصلّب".
   إنّنا، نحن الماركسيون – اللينينيون، نعرف جيّدا ما هو الجمود العقائدي، وقد ناضلنا باستمرار ضدّه. ويملك حزبنا الشيوعي الصيني تجربة غنيّة في كفاح الجمود العقائدي. إنّ الجموديّين يريدون الثورة، ولكنّهم لا يدركون ضرورة دمج الحقائق العامة للماركسية – اللينينية بالتطبيق المحدّد للثورة في بلدانهم أنفسها، ولا استغلال تناقضات العدو المحدّدة، وتركيز القوى للنضال ضد العدو الرئيسي، والدخول في تحالف مناسب مع مختلف القوى الوسطيّة، ولا يعرفون كيف يطبّقون بمرونة خطط النضال وأساليبه، وبذلك يتركون البروليتاريا في وضع تحارب فيه بمفردها. إنّنا نعارض مثل هذا الجمود العقائدي لأنّه مضرّ بالثورة. ونعارض الجمود العقائدي من أجل أن ندفع بالثورة إلى الأمام، وأن نطيح بالعدو. والمحرّفون المعاصرون يقومون بالعكس تماما. فمقاومة "الجمود العقائدي" بالنسبة إليهم مجرد حجّة ليعارضوا من ورائها الثورة، ويحاولوا القضاء عليها وتشويه الماركسية – اللينينية وإفسادها. وبكلمات لينين فإنهم "يتناسون، ويطمسون، ويشوّهون الجانب الثوري لهذا المبدأ، وروحه الثوريّة، ويدفعون إلى المقدّمة، ويمجّدون ما هو مقبول أو ما يبدو مقبولا للبرجوازيين"46.  إنّ التحريفيّين المعاصرين يفترون على الماركسية – اللينينية بانّها "الجمود العقائدي". وهذه حيلة خسيسة يتخذها المرتدّون عن الطبقة العاملة، لتفسيخ الروح الثورية للماركسية – اللينينية.
   إنّ الثورة هي روح الماركسية – اللينينية. وقد وضع ماركس وإنجلز، أمام بروليتاريا العالم بأسره، المهمّة التاريخية العظيمة، مهمّة القضاء على النظام الرأسمالي وتحرير البشرية جمعاء. وفي ظلّ ظروف تاريخيّة جديدة أيقظ لينين البروليتاريا العالميّة، وجميع الشعوب المضطهَدة لخوض النضال الثوري المتّقد. لقد وُلدت الماركسية – اللينينية في النضال البروليتاري الثوري، وتطوّرت باستمرار في ذلك النضال. وقد تتغيّر الآراء الماركسية – اللينينية حول بعض المسائل الفرديّة بمرور الزمن والتغيّرات في الوضع، امّا الروح الثورية للماركسية - اللينينية فلا يمكن أن تتغيّر مطلقا. فقد غيّر لينين على ضوء الظروف التاريخية في عصره آراء ماركس وإنجلز حول المسائل الفرديّة، وأثار مسائل، لم يكن باستطاعة ماركس وإنجلز ان يثيراها في أيّامهما. ولكن هذه التغيّرات لم تضعف، في أقلّ شيء، الروح الثورية للماركسية، بل زادت أكثر القوّة الكفاحية الثورية للماركسية. إنّ الثورة هي قاطرة التاريخ. وهذا هو الوضع في المجتمع الطبقي، وسيبقى كذلك في المجتمع الشيوعي في المستقبل؛ والفرق فقط، في أنّ ثورة ذلك العصر ستكون مختلفة في الطبيعة والأسلوب.
   إنّنا نعرف بأنّ الاستعمار الأميركي هو ألدّ أعداء ثورة الشعوب في مختلف البلدان، وألدّ أعداء حركة التحرّر الوطني والسلم العالمي وأشدّهم مكرا. وأيزنهاور هو زعيم الاستعمار الأميركي الآن. وقد أشار لينين منذ زمن بعيد إلى أنّ الاستعمار الأميركي هو ألدّ أعداء شعوب العالم أجمع وهو يلعب دور الدركي. وقد تمادى الاستعمار الأميركي الآن اكثر، مقيما نفسه دركيّا على العالم يخنق الثورة في كلّ مكان، ويقمع حركة التحرّر الوطني، والنضال الثوري للبروليتاريا في البلدان الرأسمالية، ويخرّب حركة شعوب العالم من أجل السلم. والاستعمار الأميركي لا يحاول فقط، في كلّ دقيقة، أن يدكّ البلدان الاشتراكية ويقضى عليها، ولكنّه تحت ستار مقاومة الشيوعية والاشتراكية يبذل أيضا قصارى جهوده في أن يتغلغل على المناطق المتوسّطة في أمل عابث لتحقيق السيطرة على العالم. وسياسات العدوان والحرب هذه، التي يتّبعها الاستعمار الأميركي لم تتغيّر حتى هذا اليوم. ومهما كانت الخطط التضليليّة التي يتّبعها الاستعمار الأميركي، وأيّان كانت، فإنّ طبيعته العدوانيّة النهّابة لن تتغيّر حتى موته. فالاستعمار الأميركي هو العماد الأخير للاستعمار الدولي. فإذا أرادت شعوب العالم أن تدافع عن السلم العالمي، فإنّ رأس حربة النضال يجب أن يوجّه ضد الاستعمار الأميركي. أمّا ما إذا كان المرء يجرؤ أولا يجرؤ على فضح المستعمِرين، خصوصا المستعمِرين الأميركيين، وأمّا ما إذا كان المرء يجرؤ أولا يجرؤ على النضال ضدّهم، فذلك هو المحكّ فيما إذا كان يريد أولا يريد القيام بالثورة الشعبية، وإحراز التحرّر التام للأمم المضطهَدة وتحقيق سلم عالمي حقيقي.
   فمن أجل مقاومة السياسة العدوانيّة للاستعمار الأميركي، يجب الاتّحاد مع جميع القوى الثورية، والقوى المحبّة للسلم في العالم بأسره. فالسلم العالمي يمكن أن يدافع عنه بصورة أكثر، وبصورة فعّالة، فقط عن طريق ربط نضال شعوب البلدان الاشتراكية، والنضال الوطني التحرّري لشعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات، والنضال الثوري البروليتاري في البلدان الرأسمالية، ونضال جميع الشعوب من أجل السلم، وتشكيلها في جبهة جبّارة معادية للاستعمار، وتسديد ضربات صارمة لسياسات الاستعمار الأميركي، سياسات العدوان والحرب. إنّ المعسكر الاشتراكي، وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي، هو القوّة الرئيسية في الدفاع عن السلم العالمي. ونضالات التحرّر الوطني لشعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات، والنضالات الثوريّة للبروليتاريا والشغّيلة في البلدان الرأسمالية، هي أيضا قوى عظيمة في الدفاع عن السلم العالمي. وإنّ الانفصال عن نضالات التحرّر الوطني للمستعمرات وأشباه المستعمرات، وعن النضالات الثوريّة للبروليتاريا والشغيلة في البلدان الرأسمالية، سيضعف إلى حدّ كبير القوى المدافعة عن السلم العالمي، ويخدم مصالح الاستعمار.
   وما من قوّة تستطيع أن تعيق أو تحدّ من نهوض شعوب المستعمرات وأشباه المستعمرات إلى الثورة، وسحق النير الذي ترزح تحته. فنضالاتها الثوريّة تلعب دورا في زعزعة اساس النظام الاستعمار ي. وعلى جميع الماركسيين – اللينينيّين الثوريّين أن يدعموا هذه النضالات العادلة، بحزم وبدون أدنى تحفّظ. وبالمثل، فما من قوّة تستطيع أن تمنع أو تحدّ من نهوض البروليتاريا والشغيلة في البلدان الرأسمالية إلى الثورة للإطاحة بالحكم الرجعي لرأس المال الاحتكاري. وإنّ نضالاتها الثورية تستطيع أن تقيّد ايدي الاستعمار وتمنعه من شنّ حرب عدوانية. فعلى جميع الماركسيين – اللينينيين، أيضا، أن يدعموا هذه النضالات الثوريّة العادلة بحزم وبدون أدنى تحفّظ. والتأييد القوى لهذين النوعين من النضال يشكّل تعزيزا فعّالا للنضال دفاعا عن السلم العالمي. ويرى لينين أنّ البروليتاريا في البلدان الاشتراكية يجب أن تدافع، بمساعدة البروليتاريا والجماهير الشغّيلة للأمم المضطهَدة في العالم أجمع، عن ثمار النصر الذي حقّقته الثورة البروليتارية؛ وعليها في الوقت نفسه، أن تدعم قضيّة الثورة البروليتاريّة في البلدان الأخرى لتتقدّم باستمرار، وأن تضعف باستمرار قوّة الاستعمار حتى تقبر الرأسمالية وتنتصر الاشتراكية في جميع انحاء العالم. وكلينينيين، يجب أن نتذكّر دائما هذه الأفكار الأساسية للينين.
   إنّ التحريفية المعاصرة هي حصيلة السياسة الاستعماريّة. لقد أصيب المحرّفون المعاصرون بهلع شديد من السياسة الاستعماريّة، سياسة التهديد بالحرب النوويّة. فتحوّلوا من الخوف من الحرب، إلى الخوف من الثورة، وإنتقلوا من عدم رغبتهم هم أنفسهم في الثورة إلى معارضة قيام غيرهم بالثورة. وفي مسايرتهم لحاجات الاستعمار، يحاولون إعاقة تطوّر حركة التحرّر الوطني، وحركة الثورة البروليتارية في مختلف البلدان. ويحاول المستعمِرون جعل البلدان الاشتراكية تنحطّ إلى بلدان رأسمالية.
   والمحرّفون المعاصرون، أمثال تيتو، قد كيّفوا أنفسهم وفق حاجة المستعمِرين هذه. إنّ كون مقاومة التحريفية المعاصرة أمرا مهمّا يعود إلى أنّ المحرّفين المعاصرين يستطيعون أن يلعبوا، بين جماهير العمّال والشغّيلة دورا، لا يمكن أن يلعبه البرجوازيّون، والديمقراطيّون الاجتماعيّون اليمينيّون. فهم عملاء الاستعمار، وأعداء البروليتاريا وشغّيلة جميع البلدان.
   ويشير بيان اجتماع ممثّلي الأحزاب الشيوعيّة وأحزاب العمّال للبلدان الاشتراكية الذي عقد في موسكوفي تشرين الثاني (نوفمبر) 1957، إلى ضرورة الدفاع عن الماركسية – اللينينية في الوضع الراهن.
يقول البيان:
 "إنّ البرجوازية الاستعماريّة تبذل قصارى جهودها لإفساد الجماهير من الناحية الإيديولوجية. فهي تشوّه الاشتراكية، وتفتري على الماركسية – اللينينية، وتضلّل الجماهير وتبلبلها. لذلك فإنّ تعميق التثقيف الماركسي- اللينيني للجماهير، ومحاربة الإيديولوجية البورجوازية، وفضح الأكاذيب، والاختلافات المفتراة للدعاية الاستعماريّة ضد نظام الاشتراكية، والحركة الشيوعية، ونشر أفكار الاشتراكية، والسلم والصداقة بين شعوب البلدان على نطاق واسع وبأسلوب حي مقنع، هي أمور ذات أهمّية أولية ".
   ويقول البيان أكثر من ذلك :
" تسعى التحريفية المعاصرة للطعن في التعاليم العظمى للماركسية – اللينينية، وتزعم أنّها " غير ملائمة للعصر"، كأنّها فقدت الآن أهمّيتها بالنسبة للتقدّم الاجتماعي. ويحاول المحرّفون بكلّ جهدهم إفساد الروح الثوريّة للماركسيّة وتخريب الإيمان بالاشتراكية بين الطبقة العاملة والشغّيلة. فهم ينكرون الضرورة التاريخية للثورة البروليتارية ولديكتاتورية البروليتاريا خلال فترة الانتقال من الرأسمالية على الاشتراكية، وينكرون الدور القيادي للحزب الماركسي – اللينيني، وينكرون مبدأ الأممية البروليتارية، ويدعون إلى نبذ المبادئ اللينينيّة الأساسيّة حول تنظيم الحزب، وقبل كلّ شيء، نبذ المركزية الديمقراطية، وذلك لتحويل الحزب الشيوعي من منظمة ثوريّة كفاحيّة إلى نوع من جمعيّة للمجادلة ".
   إنّ التحريفية المعاصرة هي، في الوقت الحاضر، الخطر الرئيسي على الحركة الشيوعية العالمية، وواجبنا المقدّس أن نظهر بشكل كامل روح لينين الثورية، وأن نكشف بشكل تام الصورة الحقيقية لعميلة الاستعمار هذه، التحريفية المعاصرة.
   إنّ بيان اجتماع موسكو هو المنهاج للحركة الشيوعية العالمية لعصرنا. وقد اعترفت به الأحزاب الشيوعية وأحزاب العمّال لمختلف البلدان. ونحن، الحزب الشيوعي الصيني، جنبا إلى جنب، مع الأحزاب الشيوعية واحزاب العمّال للبلدان الأخرى، نحافظ بإخلاص على هذا المنهاج العظيم ونقوم بتنفيذه.
   لقد كانت الحركة الشيوعية منذ البداية حركة عالمية. فالتضامن الأممي البروليتاري هو الضمانة الأساسيّة لانتصار قضيّة الشعب الثوريّة في مختلف بلدان العالم، ولانتصار قضيّة التحرّر الوطني للأمم المضطهَدة، وانتصار نضال الشعوب من أجل السلم العالمي. فخدمة لمصالح البلدان الاشتراكية، ومصالح البروليتاريا والشغّيلة في مختلف البلدان، ولأجل تحرّر الأمم المضطهَدة، والدفاع عن السلم العالمي، يجب علينا، في جميع الأوقات، أن نعزّز التضامن الأممي البروليتاري. إن الماركسيين – اللينينيين يحرسون دائما، كما يحرسون حدقة عيونهم، وحدة المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتّحاد السوفياتي، ووحدة صفوف الشيوعية العالمية، ووحدة البروليتاريا العالمية، ووحدة الشعوب في العالم بأسره. ويعتبر المستعمِرون والمحرِّفون المعاصرون هذه الوحدة الأمميّة العظيمة، أكبر عقبة أمام محاولتهم تفكيك الحركة الثوريّة لمختلف البلدان. فهم يخطّطون ليلا نهارا ويحاولون عبثا تخريب هذه الوحدة عن طريق احقر نشاطات التفرقة وبذر بذور الشقاق والإشاعات الحقيرة والافتراءات، ولكن هذه الدسائس الخبيثة مكتوب لها الإفلاس الذريع حتما.
   إنّ القضيّة الاشتراكية للبروليتاريا، استرشادا بالتعاليم الثورية للماركسية - اللينينية، ستحرز، وتستطيع بالتأكيد أن تحرز، النصر التام في جميع انحاء العالم، وسيسود الإنسانيّة حتما سلم أبدي.
فلنتّحد ولنتقدّم ببسالة تحت الراية الثورية لينين العظيم !
عاشت الماركسية – اللينينية !
-----------------------------------------------------------------------
الهوامش
1- خطاب لماركس حول كومونة باريس
2- ماوتس تونغ، الديمقراطية الجديدة
3-  خطاب جوزيف بروز تيتوفي زغرب 12 كانون الأول ديسمبر 1959
4-  لينين، تحت علم الآخرين
5-  لينين، افلاس الأممية الثانية
6-  لينين، تحت علم الآخرين
7-  خطاب جوزيف بروز تيتوفي زغرب 12 كانون الأول ديسمبر 1959
8-  لينين، حول عمل اللجنة التنفيذية المركزية لجميع روسيا ومجلس ممثلي الشعب
9-  لينين، المنهاج العسكري للثورة البروليتارية.
10- لينين، وضعنا الداخلي والخارجي ومهمات الحزب
11-  لينين، جواب عن أسئلة مندوب جريدة النيورك المسائية
12-  التعايش الفعال والاشتراكية، نارودينا ارميجا اليوغسلافية، 28 تشرين الثاني نوفمبر 1958
13-  ايزنهاور يصل روما، بوريا اليوغسلافية، كانون الأول ديسمبر 1959
14-  المؤتمر الرابع للنقابات ولجان المصانع في موسكو
15-  برنشتين، الأشكال المتعددة للحياة الاقتصاديّ ة
16-  المؤتمر الأول للاممية الشيوعية
17- لينين، خطاب في مؤتمر العمال في منطقة برسنييا
18-  لينين، خطتان للحزب الديمقراطي في الثورة الديمقراطية
19-  لينين، نبوءة.
20-  لينين، المؤتمر الأول لكل روسيا حول الثقافة الاجتماعية
21-  لينين، رسالة الى عمال أوربا وأمريكا
22-  لينين، مهام الثورة
23-  لينين، حول الشعارات
24-  لينين، الجيش والثورة
25-  لينين، الدولة والثورة
26- لينين، الثورة البروليتارية والمرتد كاوتسكي
27- لينين، الأممية الثالثة ومكانها في التاريخ
28-  لينين، خطاب في مؤتمر الملاكات النشطة في منظمة موسكوللحزب الشيوعي الروسي ( البلشفي )
29-  لينين، انتخابات الجمعية التأسيسية وديكتاتورية البروليتاريا.
30- ماو، الوضع في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني يعد سقوط شانغهاي وتايبوان ومهماتنا
31-  ماركس / أنجلس، مقدمة الطبعة الألمانية للبيان الشيوعي الصادرة سنة 1890
32- تقرير حول عمل مجلس ممثلي الشعب، القي في مؤتمر مجلس السوفياتات الثامن لعموم روسيا
33- مشروع قرار جناح زيمورفولد اليساري
34- لينين، كلمة الختام حول تقرير منهاج الحزب في المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الروسي
35- لينين، خطاب في المؤتمر الأول لممثلي بحرية عامة روسيا
36-  لينين، رسالة من بعيد / 7 مارس آذار عام 1917، المؤلفات الكاملة، المجلد 23، ص 306.
37-  مهمّات جناح زيمرفولد اليساري في الحزب الديمقراطي الاجتماعي السويسري ، تشرين الأول (أكتوبر) – تشرين الثاني ( نوفمبر ) عام 1916، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 23 صفحة 138
38-  لينين،  الدولة والثورة ، آب (أوت) – أيلول (سبتمبر) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلات لينين – المجلد 25 صفحات 387- 388.)
39-  تقرير حول تعديل منهاج الحزب وتغيير إسمه ، ألقي في المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الروسي (البلشفي)، 8 آذار (مارس) عام 1918، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 27، صفحة 114.
40-  الأفضل خير وإن كان أقلّ ، 2 آذار (مارس) عام 1923، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 33 صفحات 453 -454.، هكذا وردت الإحالة في الوثيقة الصينية والمقال المشار اليه تحسن ترجمته بـ : أقل شرط أن يكون أفضل (ملاحظة حزب الكادحين).
41-  خطاب في دورة السوفيات الأعلى للإتحاد السوفياتي إحتفالا بالذكرى الأربعين لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى .
42-   الذكرى الرابعة لثورة اكتوبر ، 14 تشرين الأوّل (اكتوبر)عام 1921، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 33، صفحة 35 .
43-  خطّتان للحزب الديمقراطي الاجتماعي في الثورة الديمقراطية ، جوان (يونيو) – جويلية (يوليو) عام 1905، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلد 9، صفحة 115.
44- ، لينين ،الدولة والثورة ، آب (أوت) – ايلول (سبتمبر) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 25، صفحة 459.
45- . " قرار اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني حول إقامة الكومونات الشعبية في الريف "، آب (وت) عام 1958.
46-  الدولة والثورة ، آب (أغسطس) – أيلول (سبتمبر) عام 1917، المجموعة الكاملة لمؤلفات لينين – المجلّد 25، صفحة 373

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق